مسـجـل خـطــر
بقلم: سناء البيسى
خلاص العملية بقت منخل بعدما احترقت اللمبة الحمراء, وتصدعت جميع القلاع, وانهارت جميع السدود, وأزيلت جميع الأبواب, وأصبح من سقط المتاع عبارة سري للغاية
, فالجميع من هنا ورايح سيلعب علي المكشوف, فقد أصبح الظمأ للمعلومة السرية مهما تكن خطورتها طموحا لكل من يستطيع الوصول إليها وكشفها وفضحها, فالمشهد العالمي الآن قد وقع في براثن التعبيرHyperReality أي الواقع الفائق أو الحقيقة المتهورة مع بدء عصر الشفافية الفاضحة الذي دشنته ظاهرة كابوس ويكيليكس علي شبكة الإنترنت الذي قام حتي الآن بتسريب192 ألف وثيقة سرية منتقاة بعناية فائقة تتناول الفترة ما بين عام1966 حتي عام2010, وتتضمن برقيات من274 سفارة أمريكية, مخترقا الأمن العالي للشبكات الرسمية الأمريكية خاصة المتصلة بالشبكات العسكرية للبنتاجون, والبقية تأتي لتأتي علي البقية الباقية من سرية القرارات الأمريكية, مما دعا هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية لشد الرحال المهرول في جولة مكوكية للئم الجراح الدبلوماسية العالمية, وتطويق عواقب ما أحدثه ويكيليكس من آثار مدمرة في العلاقة الأمريكية مع دول العالم مما يترتب عليه ضرورة استبدال الولايات المتحدة لدبلوماسييها العسكريين والعاملين في مجال الاستخبارات في سفاراتها الذين أصبح من المستحيل عليهم مواصلة عملهم بعدما وردت أسماؤهم في تسريبات ويكيليكس, ومنهم كارل إيكينبري السفير الأمريكي في أفغانستان الذي تناول في تقريره السري المفضوح الفساد داخل الحكومة الأفغانية, ومغادرة نائب الرئيس الأفغاني أحمد ضياء مسعود البلاد ومعه52 مليون دولار, والسفير الأمريكي جين كريز في ليبيا الذي بعث إلي واشنطن بمذكرة دبلوماسية أورد فيها أن الزعيم الليبي معمر القذافي لا يتنقل إلا برفقة ممرضة أوكرانية شقراء ومثيرة, وأحد مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون الذي ورد اسمه في مذكرة مسربة تشير إلي أن ترسانة حزب الله تضم ما بين40 إلي50 صاروخا من طراز فاتح110 مداها قلب تل أبيب وجميع أنحاء إسرائيل وحدودها, وتحدثت برقية سرية أخري أصدرتها السفارة الأمريكية في الأستانة في17 أبريل2008 عن أسلوب حياة نخبة الكازاخستانيين مشيرة إلي أن وزير الدفاع دانيال أحمدوف يفرط في الشراب, بينما يحب رئيس الوزراء كريم ماسيموف الرقص, وأظهرت برقيات مسربة نشرتها النيويورك تايمز أن واشنطن قد ضغطت علي رئيس لجنة الأمم المتحدة للمناخ لمنع تعيين العالم الإيراني مصطفي جعفري في منصب رئيسي باعتبار أن ذلك سيثير مشكلات.
ورغم اعتقال الصحفي الاسترالي جوليان أسانج ــ39 عاما ــ مؤسس موقع ويكيليكس الإلكتروني ــ الذي رشحته مجلة التايم الأمريكية للقب رجل2010 ــ إثر تسليمه نفسه طواعية للشرطة البريطانية بعد اختبائه لعدة أسابيع ليظهر في محكمة بوسط لندن يوم الثلاثاء الماضي في جلسة خاصة لمناقشة تسليمه للسويد كمسجل خطر بتهمة التحرش بامرأتين في ستوكهولم.. رغم الاعتقال فالموقع مستمر ــ مع سيل التبرعات ــ في نشر المزيد من الوثائق الدبلوماسية الأمريكية السرية التي تتوالي انفجاراتها لتتسع دوائر ضحاياها بعد أن تم تمهيد الأرضية المناسبة لكل أزمة حول العالم, فقد سددت الضربة القاضية للدبلوماسية الدولية وأعرافها لتفتح بعدها جميع المواقع المرايا كي يمكن الدخول من خلالها, حيث لن تبقي جهة بمنأي عن الفضيحة, وسوف تفقد الفضيحة معناها أو تصبح مرادفا للحقيقة, وسيرغم الإعلام علي أن يكون أكثر شفافية ليحافظ علي رصانته واحترام الناس له..
وإذا ما كانت أحدث أخبار ووثائق ويكيليكس تحتل الآن واجهة نشرات الأخبار اليومية في تليفزيونات العالم وصحفه, فالأمر قد خرج بالفعل عن نطاق الإعلام اليومي والكتب والأفلام التسجيلية التي علي رأسها الفيلم الفرنسي حرب العراق الملفات السرية الذي يستغرق55 دقيقة, وبلغت مبيعات نسخه في أيام معدودات الملايين, حيث تذهب الكاميرات فيه إلي مئات المواقع والشخصيات التي أتي ذكرها في التسريبات, فالآن قد بدأت كاميرات هوليوود القناصة في تصوير فيلم روائي طويل لن يقل قوة وتأثيرا عن فيلم الشبكة الاجتماعية للمخرج دافيد فينشر وتدور قصته حول صحفي استرالي شاب يتعرف من خلال عمله علي ضابط أمريكي يعمل محللا للاستخبارات فيستقرئ ثورته الداخلية لتعرضه لمضايقات رفاقه الذين اكتشفوا أنه مثلي الجنس فيحوز علي ثقته وصداقته وتعاونه وكان الأمريكي قد أخفي حقيقة ميوله الشاذة طوال فترة اشتراكه في خطوط الجيش الأمريكي ببغداد امتثالا لقانون وزارة الدفاع الأمريكية لا تسأل ولا تخبر الذي يفرض علي مثلي الجنس إخفاء ميولهم تحت تهديد الطرد من الجيش, ومن هنا أراد الانتقام والتنفيس عن غله المحبوس, فكان السلاح الوثائقي ملك يمينه, ويتم اعتقال الصحفي الاسترالي, ويوضع الجندي المثلي ــ برادلي مانينج ــ في السجن بعد توجيه ثماني تهم جنائية إليه إلي جانب أربع تهم تتعلق بانتهاك النظام العسكري في انتظار حكم بالسجن لمدة52 عاما.. وتأتي نهاية الفيلم بحفل دبلوماسي ضخم تتبادل فيه الأنخاب, وفي غفلة من الجميع تبزغ علي شاشة الإنترنت وثيقة جديدة أخطر من جميع سابقاتها التي ترتع الآن بفضائحها بين جنبات العالم مما يجعلنا نعي تماما قدر وقدرة التكنولوجيا الحديثة التي لم تعد في حاجة لجهابذة أو علماء, فقد جلس تحت قبتها هذا الشهر كمثال طفل مصري لا يتعدي الحادية عشرة يلهو في موبايل السيدة والدته فتمكن من تحويله إلي جهاز ريموت للتحكم عن بعد في جميع أجهزة المنزل الكهربائية بما فيها التليفزيون والتكييف والثلاجة والكمبيوتر وجرس الباب, بل وأتته طيعة جميع اللعب الإلكترونية من طيارات وموتوسيكلات وغواصات من أركانها هادرة لتخمد ذليلة تحت قدميه رهنا لضغطة أصبع منه. قدرة تكنولوجيا تجعلنا الآن نتوجس خيفة من مجرد جهاز موبايل لا طلع ولا نزل في حجم عقلة الصباع يركنه أحدهم بطريقة تبدو عفوية فيسجل المدعوق حديثا قد نغبغب فيه علي راحتنا خاصة بعد الانتخابات والإعادة, وبالله عليكم مهما أخذنا حذرنا هل هناك وجه للمقارنة بين حجم حذرنا التعس وحذر البنتاجون الذي أتعسه بدوره غل الأماثل والمسجل الدولي الخطر!
ويبدو أن ثورة المعلومات المتدفقة التي أصبحت تأتينا طوعا أو تسريبا قد أصابتنا بالنهم الشديد ليغدو شعارنا هل من مزيد, خاصة حول سير حياة المشاهير القدامي والمعاصرين الحافلة بحقائق صغيرة قد تبدو للبعض تافهة فلا يعيرونها اهتماما بينما تتيح للمتابع رؤية الشخصيات التاريخية والمعاصرة من زوايا جديدة, وتسلط الأضواء علي خفايا هؤلاء المشاهير والتناقضات الصارخة في شخصياتهم, وربما تكون بمثابة المفتاح الصغير الذي يدور في القفل الصغير لفتح البوابة الكبري للشخصية بسلبياتها وإيجابياتها.. وعلي سبيل المثال كان فيلم الرعب كينج كونج هو الفيلم المفضل لدي الديكتاتور النازي أدولف هتلر الذي يستعيد رؤيته في أوقات الفراغ.... وكان المخترع توماس أديسون عضوا في لجنة التحكيم لأول مسابقة للجمال في الولايات المتحدة التي نظمت عام1880..... وإذا ما كان جون ويلكي بوث قد اغتال الرئيس إبراهام لينكولن وهو جالس في مقعده بالمقصورة التي يكسوها العلم الأمريكي بمسرح فورد, فإن شقيقه إدوين بوث كان قد أنقذ قبلها بسنوات حياة روبرت ابن الرئيس لينكولن من قطار قادم إلي محطة نيوجيرسي كاد أن يدهسه.... أما الكونت فيرديناندفون زيبلن فلم يخترع المنطاد المعروف بل لقد اشتري براءة الاختراع من أرملة المخترع الأصلي المهندس النمساوي ديفيد شوارز الذي طق مات من شدة الفرحة عندما سمع أن الحكومة الألمانية مهتمة باختراعه, ومن هنا لم تجد أرملته وسيلة للتخلص من الأوراق والكراكيب المكدسة في البيت والجراج والساحة الأمامية سوي بيعها لجارهم الكونت الثري..... وكانت أم الديكتاتور الشيوعي جوزيف ستالين قد أرادت لولدها أن يغدو قسيسا, وبالفعل حضر ستالين حلقات دينية مكثفة لمدة ثلاث سنوات قبل أن يتم طرده بتهمة تشكيكه في المعتقدات الكنسية..... وقد أصيبت ملكة انجلترا إليزابيث الأولي بالصلع وهي في سن الـ29 والسبب إصابتها بالجدري الذي أتي علي جميع بصيلات الشعر في الجمجمة الملكية..... وكانت آن بولين الزوجة الثانية للملك الإنجليزي هنري الثامن ترتدي القفازات داخل القصر وخارجه لتخفي أصبعا سادسا في يدها اليسري..... وكان الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان يعاني من فوبيا الأرقامHexakosiohexekontahexaphobia خاصة الرقم666 وعند انتقاله إلي لوس أنجلوس عقب مغادرته البيت الأبيض أصر علي تغيير رقم منزله من666 إلي668 مع تبديل اسم الطريق السريع في جنوب غربي الولايات المتحدة الذي كان يطلق عليه اسم الطريق666 إلي الطريق491 بعدما اشتهر بارتفاع معدلات الحوادث من فوقه مما جعل الناس يطلقون عليه اسم طريق الشيطان..... وتمثل القطط كابوسا لدي القاسم المشترك من العظماء والمشاهير, فقد عاني من فوبيا القطط كل من الاسكندر الأكبر, وموسوليني, وبلزاك, والمخرج إيليا كازان, وفرانسواز ساجان, والنجمة ريتا هيوارث التي قضت سنواتها الأخيرة مريضة بالزهايمر وكانت تهرع من الاستوديو في أدق لحظات التصوير عندما تمرق قطة من بعيد, وتتباين أعراض فوبيا القطط في مستوي حدتها, وتتمثل في التعرق, وتسارع نبضات القلب, والغثيان والإسهال الشديد, والشعور بالاختناق, واحمرار الوجه وصولا لتورم الجسم, مع حالات من الذعر الهيستيري..
ووعد نابليون بونابرت الرسام جاك لويس ديفيد بأنه إذا ما قام برسمه أثناء إحدي المعارك سيمنحه مقابل لوحته100 ألف فرنك, والتزم الاثنان بالاتفاق فقد رسم ديفيد بونابرت وهو يعبر الألب عام1801 ممتطيا حصانه عدوا فوق المنحدر الصخري للجبل لتعد اللوحة أجمل روائع العصر, وبعدها قام ديفيد برسم مائة شخصية في لوحة تتويج نابليون عام1807 ورسم فيها مدام ليتيزيا الأم التي لم تكن حاضرة أثناء التتويج, وهي التي كانت قد تزوجت في الرابعة عشر من عمرها بكارلو بونابرت المحامي الأب وكان مهرها طاحونة وفرن و6700 كتاب, وغدت أرملة في الخامسة والثلاثين بعدما أنجبت له ثلاثة عشر مولودا في الفترة ما بين1764 و1784, وشاركت نابليون فرحة انتصاراته وشاركته الحزن عند هزائمه وانكساراته, وفي عام1806 جعلها ــ وقد بلغت السادسة والخمسين ــ الإمبراطورة الأم وسمح لها براتب500 ألف فرنك كل عام, وقدم لها بيتا جميلا في باريس يقوم علي خدمتها فيه طاقم من الخدم, وكانوا يخاطبونها بالسيدة الأمMadamemere بينما لم يكن لها نفوذ سياسي ولم تحاول أن يكون, واصطحبت ابنها إلي منفاه في إلبا كما صحبته في عودته, وفي عام1818 قدمت طلبا للقوي الأوروبية بإطلاق سراحه من منفاه القاسي في جزيرة سانت هيلانة مستعطفة من أجل مرضه فلم يستجب لها أحد, وتحملت باستسلام نبأ وفاته ومن قبله شقيقاته إلزا وبولين وعدد من الأحفاد, وماتت في عام1836 في السادسة والثمانين, وكان نابليون عندما يشهد طلعتها يلقاها بصيحة الترحابVoliaunefemme أي يا لها من امرأة!!
وكان هاجس الرسام بابلو بيكاسو الذي يوقظه ملتاعا في شرخ الليل من جراء تخوفه علي ابنه كلود, فيزعق موقظا زوجته فرانسواز جيلو لتذهب إلي فراش الصغير للاطمئنان علي أن المخدة لم تكبس علي أنفاسه, وازدادت حالات القلق واليقظة والكوابيس تلك بعد قدوم الابنة بالوما لتصل إلي ست وسبع مرات, وبعدها أصدر أوامره التعسفية ببقاء الأبواب جميعها مفتوحة ليتمكن من سماع أنفاس الأبناء بشكل أفضل, وبالتالي كانت غرفة النوم وسط مهب تيارات الهواء مما جعل فرانسواز تشكو من البرد المزمن, أما الهاجس النهاري الذي كان يصيب العبقري فتروي عنه فرانسواز الضحية: غالبا ما كان يسألني بمجرد قدوم الصباح فين فلوسي؟! فأجيبه بأنها في الصندوق الأحمر, الذي يصطحبه معه في جميع تحركاته, حتي في الحمام, بعد ملئه بالنقود وإغلاقه بمفتاح وحيد يعلقه في دوبارة حول عنقه, ويجلس ليخرج أوراق النقود التي قسمها إلي ربطات عشرة ليأمرني بإحصائها فأمتثل, ولأن الشك مذهبه كان يعود لإحصائها من ورائي فيجدها تسعا, فننكب معا علي عدها من جديد, ولأنه كان قد أعجب كثيرا بالطريقة الميكانيكية التي استخدمها شارلي شابلن في فيلمه مسيو فيردو في عد النقود كان يقوم بمجاراته بمثل سرعته المفرطة, ولذلك كان يقترف مزيدا من الأخطاء مما يستدعي منا التكرار, وكان من الممكن أن تدوم تلك المهزلة يوميا لأكثر من ساعة لا نصل فيها معا لنفس المجموع, لكنه كان يشعر بالتعب فيبلغني وكأنه يتغاضي عن عملية الاختلاس التي أقوم بها بأنه سيمشي الحال علي ما هو عليه حتي الغد سواء وصل العد إلي نتيجة إيجابية أو لم يصل.... يلحظ المتابعون للأمير تشارلز ولي عهد انجلترا ولعه بالتراث الإسلامي في البناء والآثار الفرعونية والصحراء خلال زياراته للبلاد العربية, وفي رؤيته للإسلام قوله إنه جزء من ماضينا وحاضرنا ويتمثل في كل مجالات السعي الإنساني, فقد ساعد علي خلق أوروبا الحديثة, وهو جزء من تراثنا وليس غريبا عنه, وقبل زفاف ابنه وليام من خطيبته كيت ميدلتون يوم الجمعة29 أبريل العام القادم لتنقل خاتم خطبتها من أصبع يدها اليمني إلي اليسري, وهو الخاتم الذي كان تشارلز قد أهداه مسبقا لديانا يأتي رأي تشارلز في التفاتة حضارية إيجابية, حيث يقول في أحدث كتاب له سيصدر مع حفل الزفاف: علينا أن نميز بين حقيقة الإسلام والعادات الشائعة في بعض البلدان الإسلامية, وهناك وجه من أوجه التحيز الغربي الظاهر, هو الحكم علي وضع المرأة في المجتمع الإسلامي من خلال بعض الحالات الشاذة المتطرفة, ثم إن الإسلام ليس جامدا ولا متحجرا, ولذا فإن تحديد صورته ليس أمرا بسيطا, وتذكروا, إذا شئتم, أن دولا إسلامية كتركيا ومصر وسوريا منحت المرأة حق التصويت مبكرة كأوروبا, وقبل أن تمنح سويسرا نساءها حق التصويت بكثير, وتمتعت المرأة في تلك البلدان الإسلامية بالمساواة في الأجور وتساوي الفرص للقيام بدور كامل وفعال في مجتمعاتها منذ زمن طويل. وقد نص القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان علي حقوق المرأة المسلمة في الملكية والإرث, والحماية والصون في حالات الطلاق, وعلي حقها في العمل التجاري, حتي وإن لم تكن كل هذه الحقوق قد ترجمت إلي واقع ملموس وطبقت في كل مكان, وكان بعض هذه الحقوق, في بريطانيا علي الأقل, جديدا وغريبا علي الجيل الذي تنتمي إليه جدتي, وتسلمت كل من بنظير بوتو وبيجوم خالدة منصب رئيس الوزراء في بلديهما الإسلاميين التقليديين في الوقت الذي اختارت فيه بريطانيا للمرة الأولي في تاريخها امرأة لتولي رئاسة الوزراء, وهذا في اعتقادي ليس أبدا من صفات مجتمعات العصور الوسطي..!!..
ومن الظواهر التي تدعو إلي التفكير في حياة الأدباء الذين اهتموا بمصير الإنسانية والمجتمع أن كثيرا منهم لم يكتفوا بكتابة القصة أو القصيدة أو المسرحية بل ذهب فكرهم إلي شيء آخر مادي وملموس يقدمونه إلي الحياة, وبعض هؤلاء الأدباء لم يستطع أن يخرج بفكرته إلي الواقع العملي فظل يحلم بها ويتمناها, وبعضهم استطاع مثل طاغور الذي كان له عالمه الخاص بعيدا عن شهرته كشاعر الهند الأول فقد كان يري أن المدارس التقليدية تجفف الحقائق وتفقدها طعمها الطازج, واستفاد طاغور من ثرائه فأنشأ مدرسة في منطقة شانتينيكتان أو مرفأ السلام عام1901, وبدأت المدرسة بثلاثة تلاميذ لكنها مع تطورها أقبل عليها المئات ليظل طاغور يرعاها بنفسه حتي وفاته عام1941 لتتحول اليوم إلي أكبر جامعات آسيا, وكان الجرس في مدرسة طاغور الذي يدق لإيقاظ التلاميذ أو لبدء اليوم الدراسي يردد نغمات موسيقية وليس صليلا عنيفا مثل الأجراس العادية, وكان الطلبة يتلقون دروسهم في الهواء الطلق تحت ظلال الأشجار, وكان الكبار من الطلبة يذهبون إلي الحقول المجاورة لتعليم الفلاحين كواجب مسائي..... رواية مائة عام من العزلة التي حاز بسببها الروائي الكولومبي الشهير جابرييل جارثيا ماركيز علي جائزة نوبل كان قد ذهب بعد الانتهاء من كتابتها في صحبة زوجته مارسيدس إلي مركز البريد التابع لمدينة سان أنجل في المكسيك ــ محل إقامته ــ من أجل إرسال مخطوطة الرواية إلي أحد الناشرين في بونيس آيرس في الأرجنتين, فطلب منه موظف البريد مبلغ اثنين وثمانين بيزو رسوم الإرسال, ولأن كل ما كان في حوزة الزوجين من نقود لم يبلغ الثلاثة وخمسين بيزو فقط, فقد اقترحت مارسيدس حلا يتمثل في إرسال نصف الرواية علي أن يقوما فيما بعد بإرسال النصف الآخر, وهذا ما قاما به بعد اقتراض بقية المبلغ...!!.... الشقيقتان ساشا9 سنوات وماليا12 سنة وثالثهما كلبهما بو سيظهرون علي غلاف الكتاب الثالث المصور للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي تدور المطابع الآن لنزول500 ألف نسخة من طبعته الأولي التي يصور فيها أوباما13 شخصية مهمة في تاريخ الولايات المتحدة منها جورج واشنطن, ولاعب البيسبول الأسود جاكي روبنسون, والرسامة جورجيا أوكيفي, ويحمل الكتاب اسم رسالة إلي ابنتي, وقد أوضحت دار النشر راندوم هاوس أن أوباما كان قد انتهي من هذا الكتاب للأطفال قبل توليه الرئاسة في مطلع2009, وأن دخل الكتاب سيذهب لتمويل الصناديق التعليمية لأولاد الجنود القتلي والجرحي, وبالمثل كان كتابا أوباما جرأة الأمل وأحلام من أبي قد قام بتأليفهما قبل دخوله البيت الأبيض, وكانت والدته تقرأ المسودات وتصحح قصص الصفحات التي فيها كيف أجلسته في أحد الأيام في هاواي لتخبره أن هناك من عرض عليها الزواج بعد طلاقها من والده, ويريدهما الانتقال معه إلي مكان بعيد لم أتفاجأ ولم أبد أيضا أي اعتراض, لكني سألتها: هل تحبه؟ فقد أصبحت وقتها علي خبرة كافية لأن أدرك أهمية مثل هذه الأمور, فبدأ ذقن أمي يرتجف لمقاومة دموعها, وضمتني بين ذراعيها لوقت طويل جعلني أشعر بأني شجاع, مع أني لم أكن واثقا من هذا الشعور, وبقلم الأديب المتمكن في سرد سيرته الذاتية يروي أوباما كيف سافر في صحبة أمه إلي جاكرتا للحاق بـلولو الإندونيسي الزوج الثاني لأمه البيضاء كاللبن التي انفصلت عن والده الأسود كالفحم وباراك لم يتعد سن الثانية كان لولو يقدمني لعائلته وأصدقائه بصفتي ابنه, لكن الأمور لم تتطور إلي أكثر من النصائح المباشرة, التي منها قوله لي: الناس يستغلون ضعف الآخرين وهم في ذلك مثل الدول, فالرجل القوي يستولي علي أرض الضعيف, ويجعل الضعيف يعمل في حقوله, وإذا كانت زوجة الرجل الضعيف جميلة فإن القوي سيأخذها, ومن الأفضل أن تكون قويا, فإذا لم تستطع أن تكون قويا فكن ذكيا وتحالف مع شخص قوي, لكن من الأفضل أن تكون أنت نفسك ذلك القوي.
ويكتب أوباما عن مشاعره صغيرا في بلاد الغربة إندونيسيا استغرقت أقل من ستة أشهر كي أتعلم الإندونيسية والعادات والأساطير, وتعرضت للإصابة بالجديري المائي والحصبة وتعافيت منهما, وتذوقت لسعة عصي المدرسين المصنوعة من الخيرزان, وأصبح أقرب أصدقائي هم أبناء الفلاحين والخدم, وكنا نجري في الشوارع صبحا ومساء, ونقوم بأعمال غريبة, فنمسك بصراصير الليل, ونحارب بالطائرات الورقية وهي تحلق بعيدا مع الرياح, ومع لولو تعلمت كيف آكل الفلفل الأخضر الصغير الحار نيئا علي العشاء مع كثير من الأرز, وبعيدا عن مائدة العشاء جربت لحم الكلاب الصعب المضغ, ولحم الثعابين الأصعب, والجراد المشوي المقرقش, ووعدني لولو بأن يحضر لنا قريبا قطعة من لحم نمر لنأكلها معا..... شخصية أنا كارنينا الحقيقية التي كتبها ليو توليستوي لتصدر كتابا في عام1873 كانت مستوحاة من داريا هارتونج ابنة الشاعر الكبير الكسندر بوشكين التي قامت بدعوة توليستوي علي العشاء ليقرآ معا دواوين بوشكين, والطريف أن أهم رواية عالمية قال عنها النقاد عند صدورها إنها عمل رومانسي تافه تدور أحداثه حول الحياة التقليدية في المجتمع الارستقراطي, ومنحها دوستويفسكي بعضا من التقريظ بقوله لا خلل فيها كسرد فني, لكن وليم فوكنر وصفها بأنها أعظم عمل روائي في تاريخ الأدب, وفي استطلاع لرأي125 كاتبا معاصرا حول أعظم عشر روايات علي مدي التاريخ حازت آنا كارنينا علي المرتبة الأولي باعتبارها الجسر بين الواقعية والرواية الحديثة, فمعظم سطور الفصل السابع فيها يصور أفكار آنا بصورة مذهلة علي طريقة تيار الوعي الذي استخدمه كبار الأدباء فيما بعد أمثال جيمس جويس, وفرجينيا وولف, ووليم فوكنر..... هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق قام جده الأكبر مايرلوب في القرن التاسع عشر بتغيير اسمه إلي مايركيسنجر تخوفا من اضطها الألمان لعائلته اليهودية, وأتي من بعده الحفيد هاينز ليصبح هنري عندما هاجرت العائلة إلي أمريكا عام1939 هربا من الأفران الحارقة التي نصبها هتلر لليهود, وحتي اليوم وقد بلغ كيسنجر التسعين يظل مثيرا للنقاش والمعارضة التي تطالب بمحاكمته كمجرم حرب لدوره في حرب فيتنام التي انتهت عام1975, أو بتهمة التآمر لدوره في انقلاب شيلي عام1973, أو بتهمة الكذب لأنه كان هاينز وليس هنري!!!{