المهذب مدير المنتدى
عدد المساهمات : 3792 تاريخ التسجيل : 24/09/2010 الموقع : انا المصرى
| موضوع: سناء جميل" سيدة الهمس البليغ!! * طارق الشناوي الخميس ديسمبر 23, 2010 4:10 pm | |
| سناء جميل" سيدة الهمس البليغ!! الأربعاء, 22-12-2010 - 3:00الأربعاء, 2010-12-22 15:00 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]طارق الشناوي
في ذكرى رحيلها الثامنة
في الأدب شعر ونثر وفي الأداء الدرامي أيضاً شعر ونثر.. عدد محدود جداً من الممثلين هم الذين ينطبق عليهم تعبير شعراء التمثيل.. على رأس هذه المدرسة والتي تشغل مقعد الناظرة وتقف "سناء جميل" شامخة وهي أحد كوكبة قليلة جداً يملكون لحظات تجلي خاصة يلعب فيها اللاشعور دوراً أكبر من الشعور.. إنهم يلتصقون بالشخصية التي يلعبونها تتحول إلى نبضات في عروقهم ودقات في قلوبهم.. كانت "سناء" زعيمة في التحليق الفني وهي تبرع في أدوارها القليلة بمقياس العدد العميقة بمقياس الإحساس والتأثير.. حاصرت "سناء جميل" السينما المصرية بقواعدها التي توارثناها وهي الأغراء والجمال الصارخ وحاصر المسرح "سناء جميل" بقواعده التي تعلي من شأن الأداء الصارخ الجهوري.. الانفعال الزائد الذي ينتقل إلى جمهور الصالة من أجل أن يبكي مثل الأبطال أو يصفق أو يضحك بنفس درجة الصخب الزائد الذي يراه على خشبة المسرح.. أما في التليفزيون فإن "سناء جميل" وجدت فيه كل القواعد والتراث التقليدي للسينما والمسرح الذي لا يترك مجالاً للهامسين باللفتة والنظرة والإيماءة والتنهيدة وكان من المنطقي أن تستسلم "سناء جميل" وترفع الراية فلا يمكن لفنان أن يطبق قانونه الخاص على قانون سائد كان من الممكن أن تتحول من فنانة تعبيرية إلى فنانة خطابية من الهمس إلى الصراخ وما أسهل أن تكون صارخاً لكنها كانت ستصبح شيئاً آخر غير "سناء جميل" التي عشقناها.. كانت ستتحقق بمقياس العدد عشرات من الأدوار تنهال عليها ورصيد ضخم في البنك لكنها عاندت وسبحت ضد التيار ولهذا رآها "د. طه حسين" عميد الأدب العربي بإحساسه وتواصل معها وعندما شاهدها على المسرح قال كلمته الشهيرة "ليس لأحد على تمثيلها سبيل".. انتهت كلمة "طه حسين" التي تلخص بدقة مدرسة "سناء جميل" فهي صحيح ابنة المسرح بكل طقوسه وأساتذته وأساليبه الكلاسيكية ورغم ذلك عندما اعتلت خشبة المسرح كان لها أسلوبها المغاير لكل من سبقوها ولقنوها كما قال "طه حسين" بكل بلاغة وعمق ليس لأحد على تمثيلها سبيل.. هكذا تواصل معها "طه حسين" منذ قرابة نصف قرن رغم أنه يدين بإحساسه الدرامي إلى تراث أسبق بمنهج مختلف قدمه "جورج أبيض" ، "يوسف وهبي" ، "عزيز عيد" ، "فاطمة رشدي" وغيرهم لكنه لمحها وأمسك بهذه القدرة على التعبير.. لو حسبتها بالأرقام فلن تجد في رصيدها الفني الكثير إنها الأقل عدداً بين كل الفنانين من جيلها سواء في المسرح أو السينما أو التليفزيون.. لكن الفن لا يعترف أبداً بالمقياس الرقمي ومع سناء يصبح عمق الإبداع هو الفيصل وليس شيئاً آخر. وعندما تتأمل أفلامها لا شك أن "بداية ونهاية" سوف يبرق أمامك وعلى الفور يحتل مقدمة الكادر دور "نفيسة الذي صار عنواناً لها في السينما رغم أن لها العديد من العناوين الجذابة ولكننا تعودنا على سبيل الاستسهال أن نختصر الفنان في دور!!
حكى لي "صلاح أبو سيف" أنه رشح "فاتن حمامة" لأداء دور "نفيسة" في "بداية ونهاية" تحمست "فاتن" ثم عادت وتراجعت فهي لا تريد أن تؤدي دور فتاة تبيع نفسها رغم أنها لعبت هذا الدور من قبل في "طريق الأمل" لعز الدين ذو الفقار وقدمته بعد ذلك في "الخيط الرفيع" لهنري بركات.. أتصور أيضاً أن ملامح "نفيسة" ليست هي المرأة الجميلة ولكنها ذات حظ محدود جداً من الجمال أو بالأحرى تخاصم الجمال.. كانت "سناء" كما قال لي "أبو سيف" في خياله وهو يعيد تسكين الشخصيات لكنه أراد أن يبدأ بفاتن وعندما لم تتحمس على الفور كانت "سناء" هي "نفيسة" كانت أكبر تحية تلقاها "صلاح أبو سيف" أيضاً من "فاتن" عندما شاهدت الفيلم في أول عرض خاص حرص "أبو سيف" على دعوتها كانت تجلس بجواره وبعد العرض مباشرة قالت له كان عندك حق يا "صلاح".. وشارك هذا الفيلم في مهرجان "موسكو" وتذكر "أبو سيف" ملمحاً آخر لسناء جميل هي و"فاتن حمامة" التي شاركته أيضاً بالمهرجان حيث عرض لها "نهر الحب" اكتشف الأمن في الطائرة أن "صلاح" ليس لديه تأشيرة دخول للاتحاد السوفيتي – سابقاً – روسيا الآن قرر ضابط الأمن ترحيل "صلاح أبو سيف" ولكن "سناء جميل" ومعها "فاتن حمامة" قالتا إلى مصر نعود مع "صلاح" وأمام هذا الموقف تم دخول "صلاح" في سابقة كان الكل يعلم أنها مستحيلة التكرار في أي ظرف آخر.. وعلاقة "أبو سيف" بسناء جميل امتدت بعد ذلك مرتين في فيلم "الزوجة الثانية" عام 68 والثانية في آخر أفلامه "السيد كاف" عام 93.
في فيلم "بداية ونهاية" نتابع تلك العلاقة التي نسجها ببراعة "صلاح أبو سيف" وكتب لها السيناريو والحوار "صلاح عز الدين" و "أحمد شاكر" و "كامل عبد السلام".. كانت "سناء جميل" بملامحها هي عنوان تلك الطبقة الفقيرة المطحونة.. كيف تغيرت العلاقة مع البقال "صلاح منصور" من الندية والتحدي إلى الاستجداء بأن يتستر عليها بعد أن سلب منها شرفها براعة ممثلة تنتقل بأستاذية من موقف إلى آخر.. نظرة عينها وهي تترجى شقيقها "عمر الشريف" بعد ضبطها في قضية الآداب استطاعت في لمحة واحدة أن تجمع بين الضعف والإحساس بالذنب وهي لا تجد أمامها سوى الانتحار.. ويتكرر الأمر مرة أخرى مع "صلاح أبو سيف" في "الزوجة الثانية" كيف عبرت عن غيرة الزوجة فهي الزوجة الأولى العاقر وهي التي تختار المرأة الولود لكنها لا تطيق أن ترى زوجها وهو يلهث وراء امرأة أخرى الغيرة القاتلة المغلفة أيضاً برغبة لامتلاك طفل ليس لها.. قبل ذلك أعود بكم إلى سهرة تليفزيونية مع بدايات التليفزيون عام 60 مونودراما باسم "رنين" تلعب بطولتها "سناء جميل" من إخراج "حسين كمال.. هي فقط التي نراها في الكادر ثم كانت هي في أول فيلم روائي وقع اختيار "حسين كمال" عليها في أول أفلامه "المستحيل".. مع "أشرف فهمي" أكثر من لقاء أهمها "المجهول" المأخوذ عن مسرحية ألبير كامل "سوف تفاهم".. اعتمد أشرف على الاقتصاد الشديد في التعبير فكانت "سناء جميل" على القمة مع "عادل أدهم" و "نجلاء فتحي".. ثم مع المخرج عاطف الطيب "البدروم" إنها البوابة "أم الخير" انتقلت من واقعية "صلاح أبو سيف" إلى الواقعية السحرية التي يقدنها تلميذه النجيب "عاطف الطيب".. أتذكر في فيلمها "سواق الهانم" للمخرج "حسن إبراهيم" عام 94.. إنها الهانم التي تقرر أن تستعين بالسائق الشهم "أحمد زكي" ولكنها تعامله بقدر كبير من الصلف والغروب أبدعت "سناء جميل" في أداء الدور إلى درجة أن المركز الكاثوليكي المصري كان قد رشحها للتكريم عن مجمل أفلامها هي و "عادل أدهم" الذي لعب دور زوجها المقهور في الفيلم.. في اللحظات الأخيرة تراجع رئيس المركز الأب "يوسف مظلوم" عن تكريمها.. كنت عضواً في لجنة تحكيم المهرجان وعندما علمت بقرار المركز الكاثوليكي تناقشت مع الأب "يوسف مظلوم" قال لي لقد كانت قاسية جداً على زوجها وعلى السائق وعلى ابنتها ونحن في المركز نكرم دائماً القيم النبيلة التي يدعو إليها الفنانين.. فأجبته قائلاً ولكن الفيلم نفسه يشجب هذا السلوك ولو لم تبرع "سناء جميل" في أداء دورها ما كان من الممكن أن نكره الغرور والصلف واقتنع الأب "مظلوم" عادت مرة أخرى "سناء جميل" لقائمة المكرمين بعد أن كانت مستبعدة بسبب صدق أداءها.. مع "شريف عرفة" و "وحيد حامد" جاء اللقاء في "اضحك الصورة تطلع حلوة".. تقدم "سناء جميل" دور أقرب لرمانة الميزان يحمل الفيلم الواقعي كل أحلام التصالح مع الحياة.. في التليفزيون أنت أمام قامة كبيرة فهي من الرعيل الأول وتظل "فضة المعداوي" في "الراية البيضاء" هو الدور الأثير لقد منحته "سناء" من مشاعرها الكثير وأضفت عليه ألق خاص وكانت هي السيدة التي تسيطر بنفوذها ومالها على الجميع لم تسقط في فخ المبالغة أو الجري وراء أيفيه الناس رددت وراءها حوارها.. صارت "فضة المعداوي" هي أفضل شخصية درامية نسجها "أسامة أنور عكاشة" صاحب النصيب الأكبر في كل الدراما العربية وأتذكر أنني سألت "أسامة" الذي قدم عشرات من الشخصيات الدرامية التي أطلت علينا من الدراما وكأنها آتية من عالم الكاتب لتعيش بيننا وتستقر في وجداننا سألته عن "فضة المعداوي" أجابني هي الأكثر اقتراباً وأن ما منحته "سناء جميل" للشخصية من حياة وروح فاق كل تصوراته على الورق!!
في المسرح لا أنسى لها "الحصان" مونودراما كتبها "كرم النجار" وأخرجها "أحمد زكي" وهو بالطبع غير "أحمد زكي" النجم السينمائي.. فهو واحد من أهم مخرجي المسرح وكان أستاذاً لأحمد زكي في معهد التمثيل.. أيضاً "زهرة الصبار" مع "عبد الرحمن أبو زهرة".. كان بين "سناء جمل" و "سميحة أيوب" نوع من المقارنة فرضتها الأحداث الاثنان من نفس الجيل وأستاذهما الأول هو "زكي طليمات" وكل منهما كانت تستحق لقب "سيدة المسرح".. سنوات الشباب حملت قدر من التنافس والصراع ولكن السنوات الأخيرة كان الحب هو الذي يسود والصداقة هي التي تعلن عن نفسها.. تستطيع أن تقول وأنت مطمئن أن سميحة أيوب "سيدة المسرح" وسناء جميل "سيدة الإحساس" في السينما والمسرح والتليفزيون فلقد كانت تقدم الهمس الفني البليغ الذي يقول الكثير بدون أن تسمع لها صوتاً!! عاشت "سناء جميل" بوجه واحد فقط بينما الحياة الفنية تحتاج إلى أكثر من وجه أغلب الفنانين يقولون شيئاً ويمارسون شيء آخر.. عملهم بالتمثيل يجعلهم ينتقلون من الاستديو إلى بيوتهم بشخصيات أخرى ليست بالطبع من فرط معايشة الشخصية الدرامية التي يؤدونها ولكن لأن الوسط الفني يفضل النفاق والكذب والإطراء الزائد فهم يمثلون 24 ساعة يومياً داخل وخارج الاستديو.. غير مسموح بكلمة صادقة لا تضع اعتبارات المصلحة فوق أي اعتبار.. لم تكن "سناء جميل" تخجل من أن تذكر هذه الواقعة فلقد بدأت المشوار في القاهرة قادمة من الصعيد بلا أي سند سوى موهبتها ولكن كيف تستطيع أن تواجه الحياة بلا أموال ولو قليلة وفي البداية لم تجد سوى أن تبيع لأحد المحلات مفارش كانت تبرع في حياكتها وكان لديها اعتزاز خاص بما تنسجه فهي تعتبرها جزءاً عزيزاً منها ولهذا قبل أن تبيعه تكتب عليه أول حرفين من اسمها S.G وكانت يوماً هي وزوجها الأستاذ "لويس جريس" في زيارة لبيت الأستاذ "إحسان عبد القدوس" وأثناء تناول العشاء لاحظت "سناء جميل" أن مفرش المائدة يحمل توقيعها وروت الحكاية لإحسان عبد القدوس وللسيدة زوجته فما كان منهما سوى أن أصرا في نهاية الزيارة على أن تصطحب معها هذا المفرش!!
كانت "سناء" تعشق الصدق في الإبداع وفي الحياة فهي لا يمكن أن تقف أمام الكاميرا أو على المسرح لتعبر عن إحساسها ثم يتخلى عنها الصدق خارج حدود الاستديو أو خشبة المسرح ولهذا للمرة الثانية اصطدمت بقانون الوسط الفني الذي يضع خارج الخط أي فنان لا يجيد قواعد اللعب والتزويق والتجميل أغضبت آراؤها الكثيرين وجرحهم صدقها الذي يتجاوز المسموح والمباح لكنها أرادت أن تظل "سناء جميل".. عندما تنظر للمرأة تحترم تاريخها لا تشعر بلحظة أنها تنازلت صادرت كلمة الحق من أن تنطق بها وكأنها تردد مقولة جبران خليل جبران "للحق صوتان صوت يسمعه وصوت ينطق به".. لم تقيدها المصالح التي تتحول إلى معادلات دائمة في الوسط الفني.. من المؤكد أنها دفعت الثمن مرتين لأنها أرادت الصدق الفني والصدق الإنساني.. نعم كان يحاول صناع عدد من الأعمال الفنية إقصاء "سناء جميل" وكان بعض من النجوم والنجمات يفكرون ألف مرة قبل أن تشاركهم "سناء" البطولة لأنها سوف تسرق بدون أن تقصد إحساس الناس بمجرد أن تتواجد "سناء" فإن العين تتابعها ومن الصعب جداً أن ترى غيرها أما القلب فلا يسمح بالدخول لأحد سواها.. كانت بصدقها ستفضح زيفهم وبريقهم الكاذب وكثيراً ما كان يتردد اسمها في أعمال فنية ثم في اللحظات الأخيرة يرنوا الصمت وكأن شيئاً لم يكن ورغم ذلك كانت "سناء" قادرة على أن تبرق تدخل من هذا النفق الضيق الذي يشبه ثقب الإبرة وكان عليها أن تقتنص القليل المتاح أمامها لتشع من خلاله نوراً لا يخبو وميضه كنا نرى شعاع شمس يتم تكثيفه ليخرج من ثقب إبرة.. "سناء" شاعرة في أدائها تكتب أبياتاً وتؤدي أدواراً تسمو بالدور الدرامي فنجد أنفسنا وقد حلقنا معها.. لم تمارس الأمومة بالمعنى المباشر ولكنها كانت هي الأم في عطاءها أتذكر أننا في عيد الأم كنت أقدم حفل للعمال في "روز اليوسف" وتوزع شهادات محو الأمية ووجدنا أن الأم هي "سناء جميل" وجاءت للعمال.. واكتملت القصيدة قصيدة الحب.. كتبت البيت الأخير عندما ودعناها في الكنيسة المرقصية يوم 22/12/2002.. عشرات من فناني مصر ومئات من أفراد الشعب تواجدوا في ساحة الكنيسة وعندما ضاق بهم المكان وقفوا جميعاً في الشارع الرئيسي يودعونها.. كانت "سناء" لا تريد لا من الدولة أو الأفراد أن يتكبدوا مشقة العلاج ومصاريفه ولهذا كما قال لي أستاذي الكاتب الكبير "لويس جريس" أن "سناء" حرصت في آخر 20 عاماً من عمرها على أن تستقطع جزءاً من أجرها لتودعه في البنك تحت بند العلاج ولهذا عندما اشتد بها المرض لم تطلب شيئاً من أحد ولا من الدولة وكان حساب الوديعة هو بالضبط حساب المستشفى الخاص الذي عولجت فيه "سناء" على نفقة "سناء"!! عندما زرت "سناء جميل" في المستشفى قبل أسبوع واحد من رحيلها وبعد أن قبلتها في جبينها وعلى يدها قالت لي "خللي أمك تدعيلي في كل صلاة".. وفي كل صلاة أستمع إلى صوت والدتي وهي تدعو إلى "سناء جميل" بالرحمة والمغفرة وأن يسكنها الله فسيح جناته!! كانت وصيتها قبل وفاتها هي أن تكتب في نعيها في "الأهرام" قريبة ونسيبة كل المصريين.. وهكذا كتبت الأهرام في صفحة الوفيات "سناء جميل" قريبة ونسيبة كل المصريين ولم يتضمن النعي كلمة "وحبيبة كل المصريين" لأنها كانت تشعر في حياتها بكل هذا الحب!!
| |
|