كسب الوطن أم خسر؟
الذى يتابع الصحف المصرية هذه الأيام يلاحظ أن العنوان العريض الذى ظل يتصدر الصفحات الأولى للصحف المستقلة على الأقل لم يكد يخرج عن متابعة مسلسل الصدام بين الإخوان وأجهزة الأمن بسبب الانتخابات، فى حين أن أنشطة الأحزاب الأخرى جميعها بقيت أخبارا متناثرة موزعة على الصفحات الداخلية، الأمر الذى يسلط ضوءا كاشفا على أحجام وأوزان القوى السياسية فى مصر. وهو ما يترك انطباعا بأن المعركة الحقيقية والتحدى الأساسى للنظام فى الشارع لايزال يتمثل فى حركة الإخوان. وذلك يفسر لنا لماذا كان يجب أن تظل «محظورة»، ولماذا صدرت التعليمات صريحة إلى وسائل الإعلام التابعة للدولة بإخفاء اسمها وعدم الإشارة إليه إلا بكلمة المحظورة؟ ولماذا ظلت «شيطنة» الإخوان أحد محاور الخطاب الإعلامى الرسمى وشبه الرسمى. وقد بينت الصور التى نشرت على الصفحات الأولى حقيقة أن المعركة ليست بين الإخوان والحزب الوطنى فى واقع الأمر، ولكن جحافل الشرطة ظلت هى التى تخوض المعركة نيابة عن الحزب، وربما لا يجد البعض غرابة فى ذلك، لأنه طالما أن الشرطة فى خدمة «الوطن»، فإن مسارعتها إلى مساندة «الوطنى» تغدو واجبة، مراعاة لأواصر «النسب» بين الاثنين.
المفارقة التى أتحدث عنها كانت واضحة فى عدد صحيفة «المصرى اليوم» الصادر يوم الاثنين الماضى 22/11. إذ كان «المانشيت» الرئيسى عن «اشتعال حرب المسيرات والتصريحات بين الإخوان والوطنى»، وتحت العنوان تصريح نشر على ستة أعمدة لمرشد الإخوان الأستاذ محمد بديع اتهم فيه النظام بالتزوير والديكتاتورية، ثم رد للدكتور على الدين هلال قال فيه ان «الجماعة» آخر من يتحدث عن الشرعية، وان الناس انصرفوا عنها. وفى حين كان خبر الإخوان هو العنوان الرئيسى الذى فرض نفسه على التحرير، فإن حزب الوفد لم يستطع أن يثبت حضورا فى نفس العدد إلا من خلال إعلان نشر على كامل الصفحة السابعة، وقد حرصت الجريدة على التنويه فى رأس الصفحة على أنه «إعلان تسجيلى مدفوع الأجر». وتضمنت الصفحة نص خطبة ألقاها رئيس الوفد الدكتور السيد البدوى فى حفل انتخابى أقيم بالدقهلية، وخطبة أخرى ألقاها السيد فؤاد بدراوى أحد تيارات الحزب فى الحقل ذاته، باعتباره مرشحا فى بلده «نبروه» التى استضافت اللقاء (المفارقة ذاتها تكررت فى اليوم التالى أيضا).
حين وجدت أن أخبار الإخوان فرضت نفسها بشكل يومى على مختلف وسائل الإعلام التى تابعت الانتخابات، الأمر الذى ذكرنا بأيام عرض مسلسل «الجماعة» الذى ظل اسم الحركة يذكر خلالها على مدار اليوم طوال شهر رمضان، تفهمت وجهة النظر التى نقلت إلى يوما ما حين دعوت إلى مقاطعة الانتخابات من البداية. وانتقدت فيها موقف الإخوان، معتبرا أن المقاطعة وسيلة لإشهار الاحتجاج على عمليات التلاعب والتزوير، فى حين أن المشاركة تسهم فى تجميل الوضع وانجاح الفيلم الديمقراطى. وقتذاك قيل لى إن ما يفضح التلاعب والتزوير هو المشاركة وليس المقاطعة. وكانت وجهة نظر مسئولى الجماعة الذين حدثونى فى الموضوع ان المقاطعة كانت ستريح الحزب الوطنى والأجهزة الأمنية، لأنهم سيدركون عند ذاك ان الحزب أصبح بلا منافس، وان فوز مرشحيه بات مضمونا فى كل الدوائر التى نزلت فيها، الأمر الذى لن يضطر الأجهزة الأمنية إلى استخدام الوسائل التقليدية فى التلاعب والقمع والتزوير. وفى هذه الحالة فإن الانتخابات ستمر بهدوء نسبى، يمكن أن يسهم فى تحسين الصورة العامة من خلال ادعاء النزاهة بما يصرف الانتباه عن الوجه الآخر (المعروف) لممارسات تلك الأجهزة.
أضافوا أن من شأن المشاركة ان تبرز التحدى الذى يتهدد مرشحى الحزب الوطنى، لأن شعبيتهم حينئذ ستواجه امتحانا عسيرا، وفى هذه الحالة ستضطر الأجهزة الأمنية وقيادات الحزب لأن تسفر عن وجهها الحقيقى. ومن ثم ستستخدم اساليبها المعتادة سواء فى مرحلة الدعاية الانتخابية أو أثناء التصويت أو خلال فرز الأصوات، وهو ما حدث بالفعل، حيث تم حتى الان اعتقال أكثر من 1200 شخص من المنتسبين إلى الجماعة. وأصبحت الصحف تتحدث كل يوم عن أخبار التلاعب فى تقديم أوراق الترشيح وقمع المرشحين وترهيب الناخبين، والصدامات التى لم تتوقف فى بعض المدن مع جحافل الأمن المركزى ومدرعاته. إلى غير ذلك من ردود الأفعال التى تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعالمية. وكانت لها أصداؤها المختلفة خصوصا فى أوساط المنظمات الحقوقية، وعلى رأسها «هيومان رايتس ووتش».
محدثىَّ أضافوا أن الجماعة لو أنها قاطعت لمكنت الذين يديرون اللعبة الانتخابية من ادعاء البراءة. فضلا عن انها كانت ستقف موقف المتفرج وستظل خارج الصورة ولن يأتى على ذكرها أحد. فى حين أنها بالمشاركة أصبحت فى قلب الصورة وعلى رأس قائمة الأخبار والأحداث الداخلية طوال الأسابيع التى استغرقتها المعركة. وهى بذلك ضربت عصفورين بحجر واحد، من ناحية فإنها كشفت أمام الملأ عن الأساليب التى تستخدمها السلطة فى مواجهة المنافسة الجادة للحزب الوطنى. ومن ناحية ثانية فإنها اثبتت أنها المنافس الحقيقى الذى ينبغى أن يعمل له ألف حساب فى أى انتخابات حرة أو غير حرة.
إذا صح ذلك التحليل فربما بدا منه أن الإخوان سجلوا نقطة فى مواجهة الحزب الوطنى، ولكن أكثر ما يهمنى فى الموضوع هو ما إذا كان الوطن قد كسب أم خسر فى الموقعة؟