«البوستة المصرية» أصدرت كروت بوستال للاحتفال بـه عام 1915
كشف «الخمساوى» عن مفاجأة لـ«إسكندرية اليوم» قائلا: «غفلت غالبية كتب المؤرخين والمصورين مرور المحمل الشريف وكسوة الكعبة بشوارع الثغر، وما صاحبها من احتفالات خلال تلك الفترات، وهو ما استفزه على حد تعبيره، خاصة أنه فشل فى الحصول على أى صور لمرور المحمل الشريف بشوارع الثغر، وأضاف: تواصلت مع الكثيرين من هواة جمع الوثائق والأرشيفات فى العديد من الدول العربية عبر شبكة الإنترنت، باحثاً عن أى صورة للموكب فى شوارع الثغر، حتى كدت أيأس من البحث، حتى لعبت المصادفة دورها، ففى أثناء وجودى فى أحد محال التحف والأنتيكات بالمنشية، وجدت سائحا أجنبيا فى منتصف العقد الخامس من عمره، يعرض على صاحب المحل مجموعة من كروت البوستال البريدية التذكارية القديمة والمستعملة، صادرة عن هيئة البريد ، وقت أن كان اسمها البوستة المصرية، تحمل صوراً لموكب المحمل الشريف وعدداً آخر من اللقطات التذكارية لتفاصيل الحياة المصرية المختلفة خلال حقبة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضى، يحاول بيعها لصاحب المحل أو استبدالها بعدد من التحف، إلا أن صاحب المحل رفض، ولاحظ «الخمساوى» بها كلمة الإسكندرية وشارع أحمد عرابى بالمنشية، فعرض على السائح الأجنبى شراءها ووافق- رفض ذكرالمبلغ الذى دفعه.
وتابع «الخمساوى»: «كدت أرقص فوق السحاب، بمجرد تفحص كروت البوستال القديمة والنادرة الصادرة عن هيئة البريد فى مصر وقتها، حيث كان أحدها عبارة عن صورة لموكب المحمل وهودج الجمل، أثناء مروره بشارع أحمد عرابى بالمنشية، وعلى خلفية الكارت كلمات بسيطة بالإنجليزية من سائح أجنبى لإحدى قريباته فى لندن، وطابع مصرى من فئة خمسة مليمات يحمل عبارة البوستة المصرية وصورة أبى الهول، ممهوراً بخاتم مؤرخ بتاريخ 7 يناير 1915. وأوضح: الكارت بوستال ظهر به خلفية محطة مصر، وعدد من السكندريين يحملون أعلاماً خضراء عليها لفظ الجلالة، وصادرة أيضا عن هيئة البريد فى نفس التاريخ، وهو ما يؤكد أن المحمل الشريف كانت تقام له نفس الاحتفالات والمراسم التى كانت تتم فى القاهرة قبل توجهه للسويس ومكة المكرمة، وعرض على الكثيرين مبالغ خيالية مقابل بيع هذه الكروت إلا أننى رفضت، لأنها توثيق لتاريخ الثغر، خلال تلك الحقبة التاريخية.
واستطرد: لا أعلم لماذا لاتعيد هيئة البريد إصدار مثل هذه الصور النادرة فى «كروت بوستال» مثلما كانت تقوم فى السابق، خاصة أنه على ما يبدو لا توجد صور للكثير من الأحداث فى مصر، فى بدايات القرن الماضى، إلا عبر كروت البوستال القديمة، الصادرة عن مصلحة البوستة وقتها، والتي أتمنى أن يكون المسؤولون على علم بقيمتها وأهميتها فى تاريخ مصر المعاصر، مثلما كان الأجانب الموجودون بالبريد وقتها يعلمون ذلك وحافظوا عليه ولم نحافظ نحن عليه للأسف».
«المحمل» وكسوة «الكعبة المشرفة».. «شرف» حرص عليه «المماليك» .. وانتهى بخلافات «عبدالناصر- آل سعود»
فى البداية قال «الخمساوى»: «إن المحمل هو الاسم الذى كان يطلق على الجمل، الذى يحمل كسوة الكعبة المشرفة المصنوعة فى مصر إلى مكة، وكان كذلك يحمل الهدايا المصرية إلى حجاج بيت الله الحرام، والظاهر بيبرس هو أول من أرسى الاحتفال بسفر المحمل من القاهرة إلى مكة، حيث كان يعرض كسوة الكعبة فى احتفالات شعبية فى شوارع القاهرة قبل سفرها بيوم، بعدها أصبح المحمل والاحتفال به تقليداً يحرص عليه ملوك مصر وشعبها كل سنة فى وقت خروجه لمكة المكرمة، وكذلك الاحتفال بعودته منها، وهى الاحتفالات التى كان يشارك فيها الجيش قبل الثورة، وحراس المحمل والمرافقون له، وكان يطلق على قائد مسيرة المحمل أمير الحج وكان غالبا من الباشوات والأمراء».
وأضاف: «كانت هناك منافسة شديدة بين الدول العربية على شرف صناعة كسوة الكعبة المشرفة، وكانت تخرج عدة محامل صوب مكة، خلاف المحمل المصرى، منها المحمل العراقى، الشامى، اليمنى، المغربى والتركى، لكن المحمل المصرى كان أهم المحامل وأفخمها وأدقها صناعة وأكبرها عدداً، بحسب كتب المؤرخين الذين استند إليهم فى بحثه، وكان يضم أمير الحج وهو كبيرالقافلة وكان غالبا من رجال الدولة ذوى المراكز المرموقة، وكاتب أمير الحج وكان يلقب بالداوادار، أحد القضاة، مشرفا للجمال والخيول، مسؤولا للتموين، مسؤولا لـ«الهجانة»، مؤذناً للصلاة، طباخاً، شعراء، عازفى الطبول، مبشر الحج، وكانت مهنته هى الوصول قبل الحجاج وهم فى منتصف طريق العودة لتبشير الأهالى بعودتهم سالمين».
وقال«الخمساوى» عن المحمل المصرى: «بحسب كتب المؤرخين، كان عبارة عن إطار مربع خشبى ضخم هرمى مقلوب، له العديد من الستائر السوداء من الحرير تحمل آيات قرآنية، وزخارف إسلامية مطرزة بماء الذهب، وكانت بيارقه من القماش المزركش، حاملا آيات قرآنية عن مناسك الحج، وكان المصريون يحتفلون بالموكب الذى كانت تصاحبه دائما عروض شعبية للمداحين والمنشدين، وكان المحمل يشتمل على كسوة الكعبة المشرفة وأحزمة تثبيتها من الحرير المزركش، ونالت عدة أماكن فى مصر شرف صناعة وتطريز كسوة الكعبة المشرفة، منها دمياط والإسكندرية، حتى استقرت فى مصنعها بحى الخرنفش بالقاهرة، وكانت تنقل على أكتاف الحمالين إلى ميدان القلعة مع كسوة مقام سيدنا إبراهيم، محيطا بهم رجال الشرطة والجيش، ويسير الموكب بكامله فى شوارع وميادين القاهرة، ثم يسافر إلى السويس ومنها إلى مكة».
وتابع «ظلت مصر محافظة على صناعة كسوة الكعبة المشرفة، والتى كانت تتم يدويا بأيدى صناع مهرة، والاحتفال بخروج المحمل الشريف سنويا، منذ عهد الظاهر بيبرس عام 661 هجرية- 1262 ميلادية، ولم تتوقف عن إرساله سوى مرات قليلة أثناء الحرب العالمية الأولى، وخلال الأزمات بين الحكومة المصرية والسعودية مابين أعوام 1930و1936، وعقب قيام الثورة أيضا حافظت مصر على نفس التقليد، حتى عام 1962 عندما رفضت السعودية استقبال آخر كسوة مصرية للكعبة المشرفة، إثر خلافات بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والملك فيصل.