شعراء دار العلوم's Photos - شعراء دار العلوم.
هاشم الرفاعي :
سيد بن جامع بن هاشم بن مصطفى الرفاعي
اشتهر باسم جده هاشم لشهرته ونبوغه، وتيمنا بما عرف عنه من فضل وعلم .
ولد في قرية "إنشاص الرمل" في محافظة الشرقية في منتصف مارس عام 1935م.
ينتهي نسبه إلى الإمام أبي العباس أحمد الرفاعي الكبير- مؤسس الطريقة الرفاعية، ووالده هو الشيخ "جامع الرفاعي"، ورث ريادة الطريقة عن أبيه عن جده، وكان شاعرًا متصوفًا.
التحق بمعهد الزقازيق الديني التابع للأزهر الشريف سنة 1947م وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية في عام 1951م ، ثم أكمل دراسته في هذا المعهد وحصل على الشهادة الثانوية سنة 1956م
ثم التحق بكلية دار العلوم وتوفي - ولما يزل في السنة الثالثة بالكلية - في مطلع شهر يوليو 1959م وهو في سن الرابعة والعشرين قبل أن يتخرج.
كان ينشد قصائده في جمعية الشبان المسلمين، وكان مولعًا بالمدائح النبوية في الموالد، ويذكر أنه ألقى قصيدة باسم شباب الجامعات بين يدي الرئيس جمال عبدالناصر في مناسبة الاحتفال بالوحدة بين مصر وسورية، وترك شعره أثرًا كبيرًا بين الشعراء الشباب، ومازال يثير اهتمام الدارسين.
وعلى الرغم من حداثة سن "هاشم الرفاعي"، وعلى الرغم من أن حياته الشعرية لم تزد على عشر سنوات - إلا أن المتصفح لديوانه يجد نفسه أمام ألوان مختلفة من الشعر ، ويعجب لهذه القدرة على دقة النظم وبراعة التعبير وجمال الأسلوب الذي يتسم به شعر هاشم الرفاعي.
يعد هاشم الرفاعي شاعرا مطبوعا غير متكلف ، ولد لكي يكون شاعرا . قال كلمته ورحل مخلفا وراءه ديوانه المتميز (ديوان هاشم الرفاعي) .قال عنه الأستاذ "ذكي المهندس"، عميد كلية دار العلوم الأسبق وعضو مجمع اللغة العربية: "لو عاش هاشم الرفاعي إلى سن الثلاثين لكان أشعر أهل زمانه".
وفي 27 أكتوبر عام 1959م أقام المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية حفل تأبين لهاشم الرفاعي بجامعة القاهرة، وقدم للحفل الأديب "يوسف السباعي" وزير الثقافة الأسبق بقوله:
"سمعته ينشد شعره مرة واحدة، فأخذت به وأحسست أن الله منحنا موهبة فذة، ولم أشك في أن صوته سيرتفع بيننا في كل حفل، ولكن القدر أبى إلا أن يكون هو نفسه موضوع الحديث في هذا الحفل، وأبى علينا إلا أن نسمع عنه ولا نسمعه، وألا يعلو بيننا صوته إلا صدى وذكريات". وهذا الرأي من يوسف السباعي في هاشم الرفاعي ينم عن تسامح السباعي وترفعه، لا سيما وأن "الرفاعي" حمل عليه في قصيدة مشهور حينما تبني الدعوة إلى الإبداع بالعامية تخفيفاً على الأدباء ونزولاً إلى الواقع!
وقال عنه الأستاذ "كمال الدين حسين" وزير التربية والتعليم: "إن صورة هاشم الرفاعي باقية هنا.. وقصته باقية في كل مكان وفي كل أرض وفي كل نفس؛ لأنها قصة الشاب المؤمن بدينه وعروبته ووطنه، المنطلق في إخلاص يرسل النغم، ولأنها قصة الشاب الذي يرتل الأناشيد في حب الوطن والعقيدة.. ستبقى قصة "هاشم الرفاعي"، وستبقى روحه تدفع الشباب إلى الفداء والبذل مترسمين خطى جريئة شجاعة مؤمنة".
ويرثيه الشاعر الكبير الأستاذ "علي الجندي"- عميد كلية دار العلوم- قائلاً:
لهف نفسي على الصبا المنضور
لغة الغدر في ظلام القبور
لهف نفسي على القريض المصفى
طوحت زهره عوادي الشرور
بالمكنى في شعره بـ"ابن أوس"
والمسمى بـ"البحتري" الصغير
ولدي هاشم وما كنت إلا
ولدي في وفائك المأثور
جدك السبط وهو أكرم سبط
لقى الله بالنجيع الطهور
لم يحصنه من كلاب الأعادي
أنه بضعة بضيعة البشير النذير
فمثل الرضوان في الخلد وانعم
بين ولدانها وبين الحور
ورثاه الدكتور أحمد هيكل- أستاذ الأدب بكلية دار العلوم ووزير الثقافة الأسبق – قائلا:
فقده جل أن يكون مصابًا فلقد كان محنة وعذابا
فلقد كان فرحة تفهم “الدار” رجاءً وبهجةً وشبابا
ولقد كان للعروبة نايًا يتغنى بمجدها خلابا
ولقد كان وهو مثل بنينا إن شدا بزَّنا فنحني الرقابا
لهاشم الرفاعي ديوان مطبوع بعنوان: «ديوان هاشم الرفاعي» جمعه وحققه محمد كامل حتة - صدر عن وزارة التربية والتعليم - القاهرة 1960- قدم للديوان أخوه عبد الرحيم الرفاعي.
وله مسرحية شعرية بعنوان: «شهيد بني عذرة» - نشرها عندما كان طالبًا بمعهد الزقازيق الديني.
يقول هاشم الرفاعي في قصيدته المشهورة (رسالة في ليلة التنفيذ):
أبتاه ماذا قد يخط بناني
و الحبل و الجلاد ينتظران
هذا الكتاب إليك من زنزانة
مقرورة صخرية الجدران
لم تبق إلا ليلة أحيا بها
وأحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست أشك في
هذا وتحمل بعدها جثماني
الليل من حولي هدوء قاتل
والذكريات تمور في وجداني
ويهدني ألمي فأنشد راحتي
في بضع آيات من القرآن
والنفس بين جوانحي شفافة
دبَّ الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أومن بالإله ولم أذق
إلا أخيرا لذة الإيمان
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم
فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي
أمي و لا وضعوه فوق خوان
كلا ولم يشهده يا أبتي معي
أخوان لي جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة
بدمي و هذي غاية الإحسان
والصمت يقطعه رنين سلاسل
عبثت بهن أصابع السجان
ما بين آونة تمر وأختها
يرنو إليّ بمقلتي شيـــطان
من كوة بالباب يرقب صيده
ويعود في أمن إلى الدوران
أنا لا أحس بأي حقد نحوه
ماذا جنى فتمسه أضغاني
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي
لم يبد في ظمأ إلى العدوان
لكنه إن نام عني لحظة
ذاق العيال مــرارة الحرمان
فلربما وهو المُرَوِّعُ سحنةً
لو كان مثلى شاعرا لرثاني
أو عاد ـ من يدري ـ إلى أولاده
يوماً تذُكّرَ صورتي فبكاني
وعلى الجدار الصلب نافذة بها
معنى الحياة غليظة القضبان
قد طالما شارفتها متأملا
في السائرين على الأسى اليقظان
فأرى وجوما كالضباب مصورا
ما في قلوب الناس من غليان
نفس الشعور لدى الجميع وإن همُ
كتموا وكان الموت في إعلاني
و يدور همس في الجوانح ما الذي
بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟
أو لم يكن خيرا لنفسي أن أُرى
مثل الجميع أسير في إذعان ؟
ما ضرني لو قد سكت وكلما
غلب الأسى بالغتُ في الكتمان
هذا دمي سيسيل يجري مطفئا
ما ثار في جنْبَىَّّ من نيران
وفؤادي المَوَّار في نبضاته
سيكف من غده عن الخفقان
والظلم باق لن يحطم قيده
موتي ولن يودي به قرباني
ويسير ركب البغي ليس يضيره
شاة إذا اجتثت من القطعان
هذا حديث النفس حين تشق عن
بشريتي وتمور بعد ثوان
وتقول لي إن الحياة لغايةٍ
أسمى من التصفيق للطغيان
أنفاسك الحَرَّى وإن هى أُخمدت
ستظل تغمر أُفقهم بدخان
وقروح جسمك وهو تحت سياطهم
قسمات صبح يتقيه الجاني
دمع السجين هناك في أغلاله
ودم الشهيد هنا سيلتقيان
حتى إذا ما أفعمت بهما الربا
لم يبق غير تمرد الفيضان
ومن العواصف ما يكون هبوبها
بعد الهدوء وراحة الربانِ
إن احتدام النار في جوف الثرى
أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات ينزل بعده
سيل يليه تدفق الطوفان
فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا
أقوى من الجبروت والسلطان
أنا لست أدرى هل ستُذْكَر قصتي
أم سوف يعروها دجى النسيان ؟
أو أنني سأكون في تاريخنا
متآمرا أم هادم الأوثان ؟
كل الذي أدريه أن تجرعي
كأس المذلة ليس في إمكاني
لو لم أكن في ثورتي متطلبا
غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة لا قيد لا
إرهاب لا استخفاف بالإنسان
فإذا سقطتُ سقطتُ أحمل عزتي
يغلى دم الأحرار في شرياني
أبتاه إن طلع الصباح على الدنى
وأضاء نور الشمس كل مكان
واستقبل العصفور بين غصونه
يوما جديدا مشرق الألوان
وسمعتَ أنغام التفاؤل ثرة
تجري على فم بائع الألبان
وأتى يدق- كما تعود- بابنا
سيدق باب السجن جلادان
وأكون بعد هنيهة متأرجحا
في الحبل مشدودا إلى العيدان
لِيَكُنْ عزاؤك أن هذا الحبل ما
صنعته في هذي الربوع يدان
نسجوه في بلد يشع حضارة
و تضاء منه مشاعل العرفان
أو هكذا زعموا وجيء به إلى
بلدي الجريح على يد الأعوان
أنا لا أريدك أن تعيش محطما
في زحمة الآلام والأشجان
إن ابنك المصفود في أغلاله
قد سيق نحو الموت غير مدان
فاذكر حكايات بأيام الصبا
قد قلتها لي عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نشيج أمي في الدجى
تبكى شبابا ضاع في الريعان
وتُكَتِّم الحسرات في أعماقها
ألما تواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفح عني إنني
لا أبتغي منها سوى الغفران ِ
مازال في سمعي رنين حديثها
ومقالها في رحمة وحنان ِ
أَبُنَيَّ : إني قد غدوت عليلة
لم يبق لي جَلَد على الأحزان ِ
فأذق فؤاديَ فرحة بالبحث عن
بنت الحلال ودعك من عصياني
كانت لها أمنية ريانة
يا حسن آمال لها وأماني ِ
غزلت خيوط السعد مخضلا ولم
يكن انتقاض الغزل في الحسبان ِ
والآن لا أدرى بأي جوانح
ستبيت بعدى أم بأي جنان
هذا الذي سطَّرته لك يا أبي
بعض الذي يجرى بفكر عانِ
لكن إذا انتصر الضياء ومُزِّقَتْ
بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويُكبر همتي
من كان فى بلدي حليف هوان
وَإلى لِقاءٍ تَحْتَ ظِلِّ عَدالَةٍ
قُدْسِيَّةِ الأَحْـكامِ والمِيزانِ
ويقول في قصيدته (وصـيّــة لاجــىء) على لسان لاجئ فلسطيني :
أنا يا بُنيَّ غدًا سيطويني الغسقْ
م يبقْ من ظل الحياة سوى رمقْ
وحطام قلب عاش مشبوبَ القلقْ
قد أشرق المصباح يومًا واحترقْ
جفَّت به آماله حتى اختنقْ
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فاذكر وصية والدٍ تحت التراب
سلبوه آمال الكهولة والشباب
***
مأساتنا مأساة شعب أبرياء
وحكاية يغلي بأسطرها الشقاء
حملت إلى الآفاق رائحة الدماء
أنا ما اعتديت ولا ادخرتك لاعتداء
لكن لثأر نبعه دام هنا
بين الضلوع جعلته كل المنى
وصبغت أحلامي به فوق الهضاب
وظمئت عمري ثم مت بلا شراب
***
كانت لنا دار وكان لنا وطن
ألقت به أيدي الخيانة للمحن
وبذلت في إنقاذه أغلى ثمن
بيدي دفنت أخاك فيه بلا كفن
إلا الدماء وما ألمَّ بي الوهن
إن كنت يومًا قد سكبت الأدمعا
فلأنني حُمِّلت فقدهما معا
جرحان في جنبيّ ثكل واغتراب
ولد أُضِيع وبلدة رهن العذاب
***
تلك الربوع هناك قد عرفتك طفلا
يجني السنا والزهر حين يجوب حقلا
فاضت عليك رياضها ماءً وظلا
واليوم قد دهمت لك الأحداث أهلا
ومروجك الخضراء تحني الهام ذلا
هم أخرجوك فعد إلى من أخرجوك
فهناك أرض كان يزرعها أبوك
قد ذقت من أثمارها الشهدَ المذاب
فإلامَ نتركها لألسنة الحراب
***
حيفا تئن أما سمعت أنين حيفا
وشممت عن بُعد شذى الليمون صيفا
تبكي إذا لمحت وراء الأفْق طيفا
سألته عن يوم الخلاص متى وكيفا
هي لا تريدك أن تعيش العمر ضيفا
فوراءك الأرض التي غذت صباك
وتود يومًا في شبابك لو تراك
لم تنسها إياك أهوال المصاب
ترنو ولكن ملء نظرتها عتاب
***
إن جئتها يومًا وفي يدك السلاح
وطلعت بين ربوعها مثل الصباح
فاهتف سلي سمع الروابي والبطاح
أنِّي أنا الأمس الذي ضمََدَ الجراح
لبيك يا وطني العزيز المستباح
أولستَ تذكرني أنا ذاك الغلام
من أحرقوا مأواه في جنح الظلام
بلهيب نار حولها رقص الذئــاب ـ ـ ـ ـ لفَّت صباه بالدخان وبالضباب
***
سيحدثونك يا بُنيَّ عن السلام
إياك أن تصغى إلى هذا الكلام
كالطفل يخدع بالمنى حتى ينام
لا سِلمَ أو يجلو عن الوجه الرغام
صدقتهم يومًا فآوتني الخيام
وغدا طعامي من نوال المحسنين\
يلقى إليّ إلى الجياع اللاجئين
فسلامهم مكر وأمنهمُ سراب
نشر الدمار على بلادك والخراب
***
لا تبكينَّ فما بكت عين الجناة
هي قصة الطغيان من فجر الحياة
فارجع إلى بلد كنوز أبي حصاه ـ
قد كنت أرجو أن أموت على ثراه
أملٌ ذوى ما كان لي أمل سواه
فإذا نفضت غبار قبري عن يدك
ومضيت تلتمس الطريق إلى غدك
فاذكر وصية والدٍ تحت التراب
سلبوه آمال الكهولة والشـــباب
ويقول في قصيدته ( الشعر والحياة ):
في ربوع ظلالها فتانة يبسط السحر فوقها ألوانه
صادح الطير في رباها تُغني وشدا للخميلة الفينانة
وجرى الماء بالحياة نماء طرز العشب والندى غدرانه
ونسيم مؤرج قد تهادى في مجون يُداعب السنديانة
بين تلك الربا وهذي المغاني والرؤى والمفاتن العريانة
قد عرفت الوجود طفلاً بريئًا حظه منه أن يمص بنانه
ورأيت الدنا بعيني صبي لم يكن بعد حاملاً أحزانه
يتبع الرفقة الصغار للهو قد أعدوا في بيدر ميدانه
ويجدُّون في اصطياد فراش طاف بالحق مسرعًا طيرانه
***
أيها الهاتفون بالشعر حرًا ولكم دعوة به طنانة
قد أتيتم له بنهج غريب يعرض اليوم بينكم سلطانه
وهجرتم توافه المتنبي وأبنتم بعلمكم نقانه
وتشدقتم بزخرف قول عن مفاهيم نمقتها الرطانة
ثم قلتم من الحياة كلامًا ومن الواقع استمد كيانه
ليس شعرًا وإنما هو شيء فوقه الشعر رتبة ومكانة
ذهبت عنه روعة للحون يرهف الدهر عندها آذانه
وخلا من أصالة وجلال بهما أظهر الزمان افتتانه
إنه أبصر الحياة سقيمًا حاملاً في يمينه أكفانه
أيعيش الوليد والداء يمشي بين جنبيه ناشرًا سرطانه
إنما الشعر ما تدفق عذبًا في بناءٍ فأحكموا بنيانه
أسمعونا إذا استطعتم قريضًا لا خيالاتٍ جالس في حانة
فإذا شقت القيود عليكم فدعوه لمن يصوغ جماله
إنني ما رأيت في الروض يومًا ما غرابًا مزاحمًا كروانة
***
أمن الفنِّ أن يُساق كلام ساذج باسم نهضة شيطانة؟
طالعوا النور في تراث القدامى وانظروا كيف أبدعوا تيجانه
سجلوا الواقع المراد ولكن جعلوا الفنَّ عاليًا ترجمانه
رسموا صورة الحياة لديهم في جلاء بريشة فنانه
لا أُنادي بأن تحاكوا زهيرًا فيه أو تقلدوا حسانه
راح عهد الوقوف بالطلل الباكي فلا تذكروا به سكانه
جددوا ما استطعمتوا في المعاني وقفوا لا تحطموا أوزانه
ليست الفكرة الجديدة تأبى عرضها في جزالة ورصانة
ألبسوها من القوافي خلودًا ومن الوزن قوة ومتانة
لا تحيطوا تراثنا بلهيب في غد تكره العيون دخانه
كل نهج أتى ليستر عجزًا نقيه ونزدري بهتانه
رب إني على القديم مقيم وأعد الخلاص منه خيانة
وهاشم الرفاعي خفيف الظل – على الرغم مما يطل في ديوانه من مآس - يقول في قصيدته (الفولُ أكلي ما حييتُ ):
الفــــقْرُ يملأُ بالمذلة كاسـي
إني سأُشهرُ فـي الورى إفلاسي
لا الجيْبُ يعمرُ بالنقودِ، ولا يـدي
فيها فلوسٌ زيِّ كـــلِّ الناسِ
أصبحْتُ باطيَ والنجـومَ، ولا أرى
أحداً يُخفــف كُرْبتي ويُواسي
الفولُ أكْلي ما حييتُ وإنــــني
متحرِّقٌ شوْقاُ إلى القٌلقــــاسِ
قدْ كدتُ يا قوْمي أصيحُ منهِّــقاً
وتخلّعتْ منْ أكلِهِ أضْـــراسي
البطْنُ خالٍ كالجيوبِ ـ وأشْـتهي
ما في المسامِطِ منْ لحومِ الــرّاسِ
وإذا مشِيتُ فإنني مُتهالــــكٌ
وأكادُ ألفظُ جائعاً أنفــــاسي
وأمُرُّ بالحاتي فأهتُفُ قائــــلاً: :
كـــمْ ذا يُكابِدُ مُفلسٌ ويُقاسي
قدْ بِعْــتُ مهريَّ الهدومِ وفي غَدٍ
سأبيعُ حتْــــماً للعبادِ نُحاسي
وإذا ذهبْتُ لحفْلةٍ أشْـــدو بلا
أجرٍ كعبد الحيِّ أوْ حــــوّاسِ
فهناكَ منْ يأتي يُهدِّدُ صائحـــاً:
اجلسْ لحاكَ اللهُ منْ هَــــلاّسِ
فألمُّ أبياتَ القصيدِ وأنثَـــــني
أمشي على الطرقاتِ كالمُحتَــاسِ
ويظلُّ ينخلعُ الحذاءُ على الثَّــرى
فمقاسُ صاحبِهِ خِـــلافُ مقاسي
لوْ كانَ هذا الفقْرُ شخْصــاً بيْننا
لقطعْتُ حالاً رأْســــَهُ بالفاسِ
ترجم له بمعجم البابطين للشعراء العرب بالقرنين التاسع عشر والعشرين.
Add a caption