أبو سيف (صلاح -)
(1915 – 1996)
صلاح أبو سيف مخرج سينمائي مصري ولد في القاهرة (حي بولاق) وتوفي فيها. درس الفن السينمائي في القاهرة، وتأثر بأفلام بعض المخرجين العالميين مثل بودوفكين Poudovkine، وآيزنشتاين[ر] Eisenstein وغيرهما.
بدأ صلاح أبو سيف العمل السينمائي بالمونتاج في استوديو مصر، وبالإخراج السينمائي عام 1945 بفيلم «دايماً في قلبي» المقتبس عن الفيلم الأجنبي «جسر واترلو»، وقدّم للسينما العربية كثيراً من الأفلام المتطورة عن قصص كتبها كتّاب عرب مثل نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي. وأتاحت له هذه الأفلام إبراز سينما المقولة والقضية والإنسان في أزماته الحياتية. ومن هذه الأفلام: «لك يوم يا ظالم» (1951)، و«ريا وسكينة» (1953)، و«حمّام الملاطيلي» (1973) وغيرها. وقد نجحت هذه الأفلام في فرض مناخ حميم أكده حنانه وقلقه وتعامله الحسي الصادق مع آلة التصوير التي جال بها في الشوارع وفي الحارات الشعبية في مواضيع مستمدة من واقع الحياة المصرية والعربية ومشكلاتها فأثراها بالبعد الإنساني بأسلوب فني لايتحقق في المحترفات (الاستوديوهات) المغلقة. وقد أصبح أبوسيف رئيس مجلس إدارة أول شركة إنتاج سينمائي في مصر، وأستاذاً في المعهد العالي للسينما،و عميداً لمعهد السيناريو في القاهرة.
يمثل أبو سيف مرحلة مهمة في تاريخ السينما العربية عامة بأفلامه ذات المواضيع المختلفة. ففي فيلم «الوسادة الخالية» (1957) يصور سعادة مستحيلة في إطار رومنسي راقٍ، مما يجعل هذا الفيلم من أكثر أفلامه رقة وجماهيرية. وفي فيلم «الفتوة» (1957) يبرع في التقاط مناخات السوق الشعبية وصراعاتها المحتدمة مصوراً، بطريقة قريبة من الملحمية، شخصيات تسعى لتجاوز الضيق الذي يطوقها، وهو نهج سابق له في فيلمه «الوحش» (1954). وتبدو علاقة أبو سيف مع الريف في فيلم «الزوجة الثانية» (1967) مختلفة عن الأفلام التي اتخذت الأجواء الريفية مسرحاً لأحداثها. وفي هذا الفيلم يصبح الموضوع وثيق الصلة بقضية الفلاح والصراع الطبقي فضلاً عن روح المرح والسخرية اللتين غلّفتا البناء السينمائي الذي يتناول فيه القهر الإنساني ساعياً إلى تقديم صورة واقعية صادقة لما يعانيه الريف المصري من بؤس وتخلّف وإهمال. ويتناول فيلم «أنا حرّة» (1959) موضوع المرأة ونضالها لإثبات وجودها في عالم تكبله القيود والتقاليد الموروثة في صراعها الحضاري ليقدم مقولة واقعية حارة وُصفت بجرأتها حين عرض الفيلم أول مرة. وتنطبق هذه المقولة أيضاً على فيلم «البداية» (1986) الذي اختار لـه درب الضحك للتعبير عن صراعات الديمقراطية والدكتاتورية، في القصة التي تدور حول هبوط طائرة ركاب اضطرارياً وسط الصحراء وعلى متنها حفنة من الرجال والنساء وطفل في مغامرة طريفة تضج بروح المرح والنقد اللاذعين. ويصور أبو سيف في هذا الفيلم عذاب العزلة والانقطاع عن العالم الخارجي إذ ينتظر جميع الركاب ظهور واحة وسط المكان اللاهب بالحرارة وجدب الطبيعة. ولايتحدث المخرج في هذا الفيلم عن حبكة سينمائية انطلاقاً من التسليم بوجود عنصر المغامرة، فالمغامرة هنا ملهاة يحاول أبطالها إعادة تأسيس العلاقات الاجتماعية فيما بينهم في جو مليء بالشباب والحيوية والمرح.
ويرى صلاح أبو سيف أن أي فن لا بد أن يكون له انتماء طبقي سابق. ويعد السينما أقدر الوسائل الإعلامية على صياغة أحلام المجتمع، وهي إحدى الوسائل الناجعة التي تعبر عن تصورات كل طبقة في مواجهة الطبقة الأخرى. ويقول في هذا الصدد: «لا أستطيع أنا أو أي فنان آخر البدء من فراغ سياسي أو اجتماعي، فالموقف السياسي والاستراتيجي هما جزءان أساسيان من مكونات الفنان سواء كان هذا الفنان رجعياً أم تقدمياً، ذلك أن العمل الفني نشاط اجتماعي خلاّق ضمن علاقات جدلية مع المجتمع بغية التأثر والتأثير. والعمل الفني هو بناء اجتماعي أو تحقيق موضوعي لفكرة المثل الأعلى الاجتماعي. ولا أزعم لنفسي موقفاً محدداً من القضايا الاجتماعية المطروحة بل أطمح للمشاركة في حل هذه المعضلات الاجتماعية التي تواجهنا كبشر نعيش في هذا المجتمع عن طريق الفن السينمائي لما له من قوة تأثير جماهيرية كبيرة». وهذا ما سحبه على فيلمه «المجرم» (1979) المقتبس عن الفيلم الأمريكي الشهير «سين» Sin (الخطيئة) إذ يعيش رجل وامرأة قصة حب خاطئة تؤدي إلى جريمة قتل. ويتضمن فيلم «حمّام الملاطيلي» خلفية شعبية ملحمية بأجوائها وأشخاصها وتزييناتها (ديكورات). ويعد هذا الفيلم من أفضل أفلامه الأخيرة في التركيز الدقيق على المعالجة البيئية العميقة.
عُرف المخرج أبو سيف بعشقه للتاريخ وتولّيه إخراج أفلام تاريخية ملأى بالأحداث التي تمكنه من تسليط الأضواء على تاريخ الأمة العربية ومنها: «مغامرات عنتر وعبلة» (1948)، و«فجر الإسلام» (1971) و«القادسية» (1982). ويرى أبو سيف أن البيئة، بمدلولاتها الصادقة، هي التي تسمو بالعمل الفني أياً كان طموحه ونوعه، ومن هذا المنطلق كان سر نجاحه في نقل قصص الأديب نجيب محفوظ إلى الشاشة الكبيرة واعترف هذا الأخير بأن أعماله الأدبية لم تنجح كما يشتهي لها إلا عندما تولّى إخراجها صلاح أبو سيف الذي استطاع إقناع محفوظ في كتابة سيناريوهات لأفلام أخرى قام أبو سيف بإخراجها لاحقاً.
قدّم صلاح أبو سيف، في حياته الفنية (50 عاماً)، أربعين فيلماً نال عليها جوائز وأوسمة كثيرة في مهرجانات عربية ودولية منها: «شارع البهلوان» (1949)، و«الأسطى حسن» (1951)، و«لاتطفئ الشمس) (1961)، و«القاهرة 30» (1966)، و«القضية 68» (1968)، و«سنة أولى حب» (1976)، و«السيد كاف» (1993).