سكينة فؤاد تكتب:انتخبوهم لتجوعوا أكثر وتعطشوا وتنتحروا وتنعموا بالمعتقلات والعشوائيات
سكينة فؤاد
2010-09-21
1) تخيب السياسات الأمريكية عند من يحترمون أمن واستقلال وكرامة شعوبهم.. أما عند الذين لا يعترفون أصلا بوجود هذه الشعوب فلا تخيب أبدا سياسات التبعية والهيمنة. أوائل هذا الأسبوع أعلنت نشرات وزارة الزراعة الأمريكية أن صادراتهم من القمح حققت أعلي مستوياتها في الشهر الأخير وأن مصر علي رأس المستوردين باعتبارها أكبر مستورد للقمح في العالم.. وقبل العيد بيومين ما من منتج يدخل في صناعته الدقيق لم ترتفع أسعاره وتبعه ارتفاع جديد في أسعار جميع المواد الغذائية.. حتي الرغيف المدعوم الذي يفاخرون بأنه مازال بخمسة قروش اختفي من أغلب المخابز التي تصنعه ويباع خارجها السبعة أرغفة بدلا من عشرين بجنيه، دعك من رداءة الصنعة فالذي يموت في طابور العيش ليس متاحاً له أن يسأل عن سلامة ما يأكل.. يكفي أنه مازال يجد ما يأكله!
ولعل المبجلة أمريكا تكون راضية ونحن نواصل دعم قمحها وفلاحيها وزراعتها وننفذ سياساتها التي خططتها منذ الربع الأخير من القرن الماضي لتمكنها سيطرتها علي إنتاج الحبوب في العالم والمحاصيل الاستراتيجية والقمح بالتحديد من إحكام الهيمنة الاقتصادية والسياسية.. ومن المؤكد أنها سترد الجميل بجميل وعمل أجمل منه وتدعم خلال الأيام المقبلة الاستبداد والتوريث!!
مهزلة وجريمة لا أجد غيرها تفسيرا للإصرار علي تجاهل جميع المتوفر للمصريين من مشروعات لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتمسك بوقوفنا في مقدمة صفوف العاجزين والمستذلين بالجوع والمهددين بالكوارث العالمية التي يتعرض لها الغذاء وبالديون التي نشتري بها لقمة عيشنا!!
2) سألتني صحفية في بدايات العمر: ألم يتصل بك مسئول في هذا البلد - وزير زراعة - رئيس وزراء - رئيس جمهورية - مخضوضاً.. غاضباً يسأل عن الصنف الرائع من البذور الذي وصلت طاقته الإنتاجية إلي 7.35 إردب - فدان في أراض شديدة الجفاف وعالية الملوحة وبلا أي إضافات أو مخصبات، كيف يتطلع وزير الزراعة لأن يصل إنتاج الحقل سنة 2017 إلي 24 إردباً- فدان ويتجاهلون مشروعا أنتج في تسعينيات القرن الماضي 7.35 إردب - فدان؟!
أضافت الصحفية وهي تبدو عاجزة عن التقاط أنفاسها: سامحيني لولا الشرائط التي قدمت مقتطفات منها بالصوت والصورة في وثائق سريعة ما صدقت، ولماذا لم تقدم هذه الشرائط كاملة علي قنواتنا الرسمية؟ أليس وكما كتبت مشروعاً بحثياً مصرياً تم في إطار مراكز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة المصرية ومدرج علي خطة الدولة حتي عام 2017؟، وكيف يمر هذا دون حساب أو عقاب أو سؤال؟!
سألتها: وماذا يحدث الآن في مصر ويستطيع أن يصدقه أي عقل من آلاف الجرائم التي ترتكب بحق المصريين ودون أن تخضع لحساب أو سؤال أو عقاب، وما أفلت وانكشف من جرائم لم يستطيعوا السيطرة عليها وإخفاءها ووصلت إلي النائب العام ولكنهم أثبتوا سلامتها وبراءتها سواء في مشروعات مدينتهم وأكياس دمائهم التي ثبت والحمد لله أنها لم تكن أبدا ملوثة وشهداء عباراتهم الذين انتحروا بإرادتهم الحرة في مياه البحر الأحمر، غير الشباب الذي ينتحر غرقا علي شواطئ أوروبا وتركيا في رحلات الهروب الجماعية بحثا عن فرصة عمل غير الإحصاء المؤلم الذي كشفت عنه دراسة لمركز المعلومات بمجلس الوزراء عن أحدث أرقام الانتحار التي بلغت 104 آلاف حالة أي أصبح لدينا كل يوم 14 مصرياً يهربون بالانتحار من ظروف الحياة المستحيلة؟! من يتحمل غير القاعدة الغالبة من الطبقة المتوسطة المتلاشية ومن العاطلين ومن الفقراء جريمة الحكم الذي أصدره هذا النظام أن يملكوا مصادر الغني والاستغناء والاستقواء بأرضهم وثرواتها الطبيعية والبشرية والعلمية؟ .. كيف الاستسلام والسكوت عن نظام يكرس الجوع والفقر والديون والبطالة ويهدد ويتجاهل المتاح من مشروعات ومناهج وخطط وتطبيقات تحقق الإنقاذ بل سبق أن حققته قبل أن توقف وتمنع من الاستمرار؟
إذا كانت سرقة لوحة - مهما كانت قيمتها الفنية- تثير كل هذا الغضب فكيف لا تثير سرقة الأمن القومي الحيوي لشعب ثورات وغضباً أكبر؟! وما مصير الأبحاث التي تجري في مراكز البحوث الزراعية وأين تطبق نتائجها؟ وهل تلقي جميعها مصير المشروع الإنمائي الإرشادي للتنمية الإنسانية بالصحاري المصرية؟!
مشروع الخريجين الذي وضع منهجه وأشرف علي تنفيذه «أ.د. زكريا الحداد» لقي المصير نفسه، وعديد من مشروعات وأبحاث تمت في إطار مراكز البحوث الزراعية، وما إن بدأت تبشر بإنجازات رائعة حتي يصدر الحكم بإعدامها.. من يحاسب من؟! وما لزوم هذه المراكز البحثية.. وهل سمع عنها واستعان بها وزير الزراعة الذي يتطلع إلي أن تصل المساحة المزروعة بالقمح 3 ملايين فدان العام المقبل بينما هذه المساحة تم تجاوزها إلي 1.3 مليون فدان عام 2004 وانخفضت في موسم 2010 إلي 2.2 مليون فدان وفق الرقم الرسمي المعلن؟!
من واحد من هذه المراكز البحثية اتصلت بي باحثة منذ أيام تحكي عن أبحاثها عن القمح التي تجاوزت طاقتها الإنتاجية 37 إردباً- فدان ولكنها تلاقي عقبات تحول بينها وبين استكمال البحث، ويتوالي كل يوم انضمام علماء وأساتذة وخبراء يكذبون فساد وضلال ادعاءات عجز مصر عن تحقيق الاكتفاء.
آخر ما قرأت حتي الآن مقال مهم بعنوان «اكتفاء القمح ليس مستحيلا» د. أحمد أنور عبد الجليل - المصري اليوم 9/9/2010، وأكد د. أحمد جويلي في حديث بالأهرام 8/9 ما كان يعرفه جيدا وهو أن مصر تستطيع الاكتفاء الذاتي من القمح إذا وضعت الاستراتيجية علي أساس مجموعة الحبوب.. د. جويلي من أهم الشخصيات الرسمية والعلمية التي عايشت وأشادت ورعت تجربة المشروع الإرشادي للتنمية الإنسانية في صحارينا - بالمناسبة مبروك للترشح للحزب الحاكم يا د. جويلي؟!
لماذا نجوع ونستدين ونستطيع أن نشبع ونستغني ونستوقي بأيدي فلاحينا وعلم علمائنا وعطاء صحارينا وما تبقي من أخصب أراضي الوادي القديم مما لم يزرع بعد بالطوب والأسمنت؟ تلك الجريمة التي تقننها الحكومة بقرارات رسمية تسمح بالبناء علي أراضي المتخللات - أي الأراضي التي تتخلل المساحات المزروعة- ماذا يعني تقطيع وفصل لحمة الأرض بالمباني غير خنقها ومنع اتصالها ببعضها ومنع المياه في أحيان كثيرة من الوصول إليها لتستكمل مصيبة جفاف أغلب الترع وتحولها إلي مقالب زبالة وليجد الفلاح أن بيع الأرض بالمتر يأتيه بثروة، بينما زرعها بالفدان يأتيه بكارثة من الكوارث التي تترتب الآن علي زراعة القمح أو القطن.. ولينتهي الأمر بمصر بلا قطن ولا قمح إلا عن طريق الاستيراد!!
الذين يصرون علي عدم قدرة مصر علي الاكتفاء من القمح لا يعرفون مصر ولا يعرفون قدرات مصر ولا يحترمون العلم ولا يعرفون ولا يحترمون معاناة وآلام هذا الشعب ويريدونه أن يظل أسير إحسانهم وعطاياهم ومافيا استيرادهم وألا يعيش المصريون تحت خطوط الفقر فقط.. ولكن أيضا تحت خطوط الخوف والعجز والحاجة ليسهل ترويضهم وإخضاعهم وهذا أضعف الإيمان في تفسير تحديهم للعلم والقدرة والإمكانات المصرية وإهدار مقدرات هذا الشعب بالإضافة إلي رعاية المصالح والسياسات الزراعية الأمريكية، تلك التي وصفها د. يوسف والي بالتوءمة بينها وبين مصر.. وما تراه هيئة التنمية الأمريكية من أن التوسع في مساحات زراعة القمح يخل بسياسات الإصلاح الاقتصادي وخروج عن نتائج البحوث المشتركة «لا للتبعية والتطبيع في الزراعة والغذاء - أ. عريان نصيف - مستشار اتحاد الفلاحين المصريين».
3) هل نحتاج إلي أدلة لإثبات أن الفقر والجوع والبطالة أصبحت ضرورات لترويض وإخضاع المصريين واستسلامهم لحزب فقد القدرة علي أن يملك الشعبية والشرعية عن طريق إنجازات حقيقية تجعله واثقا من احترام الشعب وتمسكه به - تردد الشعارات والهتافات علي موائد الرحمن التي أقامتها حملات دعم جمال مبارك: «يا جمال ياللي مأكل العيال» - هكذا لم يعد الوطن ولا الأرض ولا الجهد ولا العرق ولا الزرع ولا العمل ولا حقوق المواطنة وقبلهم الخالق عز وجل مصدر الحياة ولكن «جمال اللي مأكل العيال!!» لدرجة أفسدت واستذلت وأهينت واستغلت وتاجروا بالظروف الاقتصادية الصعبة والتدهور الثقافي والفقر الذاتي وبمناسبة اقتراب موسم الانتخابات تتوالي المنح والعطايا الحكومية «زيادة المعاشات الاستثنائية إلي 750 جنيهاً للحالات الصعبة ووزير المالية يزف بشري إنفاق مليون جنيه سنويا لتحسين معاشات 910 أسر وتكريم عدد من بناة السد العالي».
بينما الوزير نفسه - وزير المالية - «وفق المنشور» متهم بالاستيلاء علي المال العام لأنه رفض العلاج في مستشفي بولاق بألف جنيه واستحل 2 مليون جنيه من دم المصريين وأموال علاج الغلابة علي نفقة الدولة - ويتفاخر بمليون جنيه لزيادة معاشات 910 أسر من الحالات الصعبة وتكريم بناة السد العالي - يا رخص البيعة للمخلصين والأمناء!! وإمعانا في الإتجار بالفقر استعدادا لموسم تزوير واختطاف انتخابات جديدة يعلنون أن هناك دراسة لزيادة دخول العاملين بالدولة ومنحهم مزايا جديدة، كيف تتفق هذه المنح والبركات الحكومية مع اعتراف الحكومة بارتفاع الدين المحلي إلي 574 مليار جنيه وانخفاض الإنفاق علي الدعم والمنح بنسبة 25% وعلي الخدمات بنسبة 11%؟
التجارة التي تزدهر في مواسم التزوير الانتخابية هل ستكون من جيوب المصريين في صورة ضرائب جديدة ولكن بعد انتهاء مهمة اختطاف الحكم لفترة جديدة، بينما يعلن وزير التنمية الاقتصادية أن هدفهم الرئيسي الوصول إلي الفقراء لتنميتهم وتحسين أحوالهم، ولا يستطيع الهروب من الاعتراف بارتفاع نسب الفقر والغلاء، ومع ذلك يجد أن المعدل الدولي لدخل الأسرة وهي 1200 حسبة خاطئة لأن لكل بلد حساباته وحسبة المصريين لا تتجاوز 450 جنيها!! بالمناسبة هذا الوزير وأمثاله ما هي الأرقام الحقيقية لدخولهم التي يتقاضونها من جيوب الشعب؟
أين المعارضة الجادة والمحترمة والجمعية الوطنية للتغيير وجماعات العمل الوطني وجموع الشباب الذين يتقدمون ويقودون دعوات التغيير وممن أصبحوا معرضين للاختطاف ليلا ونهارا ممن يطلقون عليهم جهات أمنية غير معروفة! أين هم من رفع النداءات الحقيقية التي تسترد وعي الملايين بحقوقهم وبما يعنيه إعادة انتخاب هذا النظام؟
- انتخبوهم لتجوعوا أكثر.
- انتخبوهم لتعطشوا أكثر.
- انتخبوهم لتمرضوا أكثر.
- انتخبوهم لتزداد بطالة وانتحار أولادكم.
- انتخبوهم فمازال 18000 معتقل في السجون المعلنة وغير المعلنة رقماً متواضعاً لا يكفي.
- انتخبوهم فلا يكفي 2 مليون أسرة تسكن المقابر و18 مليون أسرة تسكن العشوائيات.
- انتخبوهم لتنعموا وتستمتعوا أكثر بقانون الطوارئ.
- انتخبوهم ليزداد ضياع العدل وغياب القانون واختراق وتهميش جميع الجماعات والمؤسسات والنقابات.
والقائمة طويلة بالكوارث التي ستترتب علي إعادة انتخاب هذا النظام ولا تقتصر علي فضيحة «يا جمال ياللي مأكل العيال».
4) كما تأكدت من قبل عندما قمت بحملتي الأولي علي صفحات «الأهرام» لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وسائر المحاصيل الاستراتيجية واتضح من عنف المقاومة لمشروعات الإنقاذ، أن القمح والاكتفاء منه قضية أمن قومي أمريكي ولا حساب للأمن القومي المصري - تعاود الأزمة الجديدة إثبات الجرم الذي مازال يبرر ويدعي عدم القدرة علي الاكتفاء رغم كل ما توفر من إثبات علمي وتطبيقه علي إمكانية تحقيقه وحتي لا يتكرر الفشل الذي حدث في نهاية الحملة والدعوة الأولي - يجب أن نحتمي هذه المرة بالبعد الشعبي والجماهيري وبمشروع قومي يشهر أسلحة المقاومة الذاتية التي يمثلها تحالف وتكامل المعارضة والرأسمالية الوطنية والعلم الأمين، فلم يعد ما تعانيه مصر من أزمات وكوارث مسئولية نظام وحده وإنما الساكتين، عفوا من يرتضون وزر ودور الشياطين الخرس بعدم الخروج من أجل الحق والحقوق المضيعة- وما حدث للقمح ليس إلا رمزاً لإبادة وإهدار مقدرات وطن والاستهانة بعناصر قوته وحاضره ومستقبله.. أين أنتم من قرار شعبي ومشروع قومي ينهي احتكار واحتقار حاضر ومستقبل أمة؟!
سألني الكثيرون: أين بقية شرائط المشروع الإرشادي للتنمية الإنسانية بالصحاري المصرية، ولكن دعوة استكمال عرض هذه التجربة البحثية والتطبيقية النادرة بالصوت والصورة.. هذه الشرائط التي أطلق عليها أساتذة بجامعة السوربون وصف مصر في القرن العشرين، هذه الدعوة للعرض مازلت ومازالت تنتظرها معي د. زينب الديب عندما تعود من باريس.
العزيزة جدا الكاتبة نوارة نجم أو نوارة النصر أو نوارة الكتابة.. أقر بإعجاب وتقدير كل ما تكتبينه خاصة عن حملتي من أجل الدعوة لتحقيق الاكتفاء من القمح وأقدر وأتفهم الرؤية العبثية لواقع عبثي تنتفي فيه جميع شروط العقل والمنطق والعدالة والضمير والأخلاق ولكنني في نهاية عمر طال ولحق واطمأن ولمس قدرات هذه الأرض الطيبة والطاقات الكامنة في جموع بشرها رغم ما أنزل بهم من صنوف التبديد والإفقار والتسطيح والتجريف الحضاري والإنساني، وعشت الحروب والمقاومة والهزائم والانتصارات.. حقيقة لم يكن هناك هزيمة مثل ما نعيشه الآن، ولكن روح المقاومة والثقة في وجه الله وفي الأمناء والمحبين والمخلصين وفي الحراك الوطني الذي يحدث الآن وفي الشباب الرائع مازالت تعطيني العافية والطاقة والثقة في الفجر المقبل حتما بعد شدة السواد والإظلام.