فقراء العالم قادمون نسى العالم ثورات الفقراء التى اجتاحت دولا كثيرة منذ سنوات بعيدة مضت.. نسى إضرابات العمال وحقوق الشعب الكادح وصيحات يا عمال العالم اتحدوا.. ونسى أيضا الأحزاب الشيوعية فى العالم منذ رحيل الاتحاد السوفييتى واختفاء الحرب الباردة وانضمام دول الكتلة الشرقية إلى الاتحاد الأوروبى وتوحيد ألمانيا وانقسام روسيا واختفاء دول بالكامل مثل يوغسلافيا وألمانيا الشرقية من الخريطة السياسية العالمية.. نسى العالم رموز الاشتراكية العالمية وطوى إلى غير رجعة التاريخ الطويل للثورات الشيوعية فى العالم..لم يكن غريبا أمام رحيل الاتحاد السوفييتى وتراجع أفكار ماركس ولينين وجهابذة الشيوعية فى المعسكر الاشتراكى أن تطفو على السطح أفكار أخرى ليبدأ الحديث عن العولمة فى ظل تراجع الاشتراكية وتصبح الشركات متعددة الجنسيات امبراطوريات اقتصادية تهز أركان الاقتصاد العالمى.. وتظهر تكتلات اقتصادية رهيبة تضع ثوابت جديدة لنظام نقدى مختلف فى ظل الاتحاد الأوروبى والسوق الأوروبية المشتركة ودول اليورو وما ترتب على ذلك من تراجع الدولار واهتزاز الاقتصاد الأمريكى أقوى اقتصادات العالم.. لقد ترتب على هذه الهزات الاقتصادية والسياسية والعسكرية نتائج خطيرة ربما ظهرت آثارها أخيرا فى عدد من دول أوروبا وربما امتدت آثارها لتشمل مناطق أخرى وكان ظهور قوى اقتصادية أخرى مثل الصين والهند ودول شرق آسيا بداية تحولات جديدة فى العالم سياسيا واقتصاديا.
لم يكن غريبا أن تواجه دول أوروبا أزمات اقتصادية حادة فى الفترة الأخيرة كما حدث من انهيارات فى اليونان.. وإيطاليا ثم إسبانيا والبرتغال.. واضطرت دول الاتحاد الأوروبى خاصة فرنسا وألمانيا إلى تقديم دعم غير مسبوق لاقتصادات هذه الدول قبل أن يجرفها الطوفان حتى إن فرنسا نفسها كانت مهددة بهذه الانهيارات.
منذ سنوات والعالم يراقب من بعيد الاحتجاجات السنوية التى تقام أمام مؤتمر دافوس وأمام دول الثمانية الكبار وأمام التجمعات الاقتصادية الكبرى التى تشارك فيها الدول المتقدمة.. كانت هذه الاحتجاجات رسائل سريعة من الشعوب لهذه المؤتمرات وإن كانت قد حملت مطالب واضحة فى ضرورة الاهتمام بالاحتياجات الضرورية للشعوب.. ولا شك أن الرسائل زادت فى حدتها وتجاوزت حدود الاعتراض لتتحول أخيرا إلى مواقف رفض لسياسات اقتصادية خاطئة أعطت كل شىء للأغنياء وحرمت فقراء العالم من كل فرص الحياة الكريمة حتى فى تلك الدول التى تتغنى بالحريات وحقوق الإنسان.
فى الفترة الماضية قامت مظاهرات احتجاجية عنيفة وحادة فى انجلترا أم الديمقراطية أسقطت القتلى والمصابين وسبقتها مظاهرات اجتاحت اليونان ثم إسبانيا.. ثم إيطاليا والبرتغال وحتى إسرائيل الدولة العنصرية أخذت نصيبها من هذه الاحتجاجات.
البعض يرى أن الثورات العربية تركت ظلالها على دول أوروبا رغم اختلاف الظروف وعبرت من جنوب المتوسط إلى شماله وأن المستقبل سوف يحمل ظواهر أخرى أكثر حدة واحتجاجا وثورية هناك من يرى أن الثورة المصرية وثورة تونس وما يحدث فى ليبيا وسوريا واليمن كل هذه التحولات الضخمة وصلت أصداؤها ومؤثراتها إلى أوروبا والواقع أن هناك مؤشرات كثيرة سبقت هذه الاحتجاجات ولم يقرأها أحد القراءة الصحيحة.
فى الوقت الذى كان عقلاء العالم يتحدثون عن سلبيات ومخاطر العولمة هذا الشعار الرهيب الذى أطلقه الغرب تحت دعاوى اقتصادية وسياسية وقام بتصديره إلى الدول الفقيرة كان فى حقيقة الأمر يحمل آثارا سيئة للدول النامية وسرعان ما حمل نفس الآثار إلى الدول المتقدمة. لقد تجاهل أصحاب هذه الدعوة ما يواجه العالم من أزمات اقتصادية حادة قامت على عدة محاور كان أخطرها زيادة نسبة البطالة فى العالم بحيث أنها أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا لمستقبل أجيال لا تعرف موقعها ومكانتها فى توجهات وسياسات الأوطان التى تعيش فيها.. فى كل يوم كانت طوابير البطالة تعكس واقعا اقتصاديا مريضا فى كل دول العالم تقريبا ولم ينج أحد من هذا المرض الخطير حتى دول القمة الاقتصادية ومنها أمريكا وألمانيا وروسيا وانجلترا واليابان..
على جانب آخر كانت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وما تركته من آثار على الاقتصاد العالمى تمثل تهديدا حقيقيا للطبقات الفقيرة فى دول العالم ولاشك أن البطالة كانت من الأسباب الرئيسية للمخاطر التى تعرض لها فقراء العالم.. وأمام التقدم التكنولوجى الرهيب زادت ضراوة المؤسسات الاقتصادية الكبرى وكان ذلك على حساب الطبقات الفقيرة حيث ازداد أغنياء العالم ثراء وازداد الفقراء فقرا.
لقد تحملت الطبقات الفقيرة والمتوسطة نتائج الأزمات الاقتصادية فى العالم وكانت البطالة من أخطر هذه النتائج ثم كان ارتفاع الأسعار أمام الارتفاع الرهيب فى أسعار البترول وقبل هذا كله فإن التلاعب فى أسعار العملات الرئيسية دفع ثمنه الفقراء والطبقات المحدودة من أصحاب المدخرات.. وكانت ثلاثية التلاعب بين المؤسسات المالية والاقتصادية الكبرى يقوم على ثلاثة محاور هى السياسات النقدية وسياسة الأسعار والمضاربات فى الأسواق المالية واحتكارات الشركات الكبرى.. وفى سنوات قليلة شهد العالم الآثار الضارة لهذه السياسات والتى تجسدت فى هذا الكم الهائل من الخسائر المالية الذى تحملته الحكومات والأفراد معا.
عندما خرج اليورو إلى النور كان سعره أقل من دولار فى الأسواق العالمية ومنذ سنوات قليلة وسعر اليورو أكثر من دولار ونصف الدولار.. ولا شك أن ذلك ترك آثارا بعيدة على أسواق العملات فى العالم ودخل الاتحاد الأوروبى فى صراع مع أمريكا حول الصادرات والسياحة والأسعار وكل ذلك فى معارك الدولار واليورو وما ترتب عليها من مواجهات فى مناطق أخرى..
عندما تهاوت أسعار الأسهم والسندات أكثر من مرة بسبب المضاربات وأسعار البترول والأزمات السياسية والاقتصادية دفع العالم كل العالم ثمن هذه المضاربات وعلى سبيل المثال فقد خسر الأثرياء العرب بلايين الدولارات فى أسواق العملات وفى أسواق الأسهم والسندات ولم يقتصر ذلك على الدول العربية وحدها ولكنه شمل العالم كله.
على جانب آخر كانت الحروب التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة من أسوأ الأسباب التى أدت إلى ارتباك الاقتصاد العالمى خاصة أن أمريكا ومعها عدد من دول أوروبا قد تحملت ضريبة هذه الحروب حتى وإن حاولت تعويض جزء من خسائرها من دول أخرى خاصة الدول النفطية العربية.
منذ كارثة 11 سبتمبر والاقتصاد الأمريكى يدفع العالم كله إلى مزيد من الكوارث.. كان من أخطر النتائج التى ترتبت على ذلك الحرب فى أفغانستان.. ثم احتلال العراق وقد تحمل الاقتصاد الأمريكى خسائر ضخمة منذ هذا التاريخ.. لا أحد يعرف حتى الآن فاتورة الحرب فى أفغانستان وما تحمله الاقتصاد العالمى فيها سواء من جانب أمريكا أو حلفائها.. وفى نفس السياق كانت خسائر أمريكا فى احتلال العراق وإن كان البترول العراقى الذى حصلت عليه أمريكا قد عوض الكثير من خسائرها.. ولكن الشىء المؤكد الآن أن أمريكا تعيش أسوأ حالاتها مع قضايا الحروب والديون والعجز والبطالة.. هذه الرباعية هى التى تهدد الآن أكبر قوة اقتصادية فى العالم حيث يطالب العقلاء فى أمريكا بأن يختار الشعب الأمريكى رئيسا جديدا له علاقة بالاقتصاد فى الانتخابات القادمة وإن كان الرئيس أوباما قد خاض معركة خاسرة أمام الكونجرس حول قضايا الديون لأن هناك أرقاما مخيفة حول ديون أمريكا والعجز فى ميزانيتها وتكلفة الحروب التى تخوضها وقد وصلت هذه الأعباء إلى 15 تريليون دولار.
لا شك أن هناك أطرافا كثيرة استفادت من الكوارث الاقتصادية التى أصابت العالم فى مقدمة هذه الأطراف شركات التكنولوجيا التى حققت أرباحا رهيبة أمام طلب الأسواق العالمية ومن يتابع أسواق المال العالمية وما حققته من أرباح سوف يدرك أن الأغنياء بالفعل ازدادوا غنى وأن فقراء العالم ازدادوا فقرا ويكفى أن نقول إن سهم شركة جوجل يوم أن دخل سوق المال الأمريكية كان سعره 80 دولارا وبعد أقل من عشر سنوات أصبح سعره الآن أكثر من 500 دولار.. وهذا ينطبق أيضا على شركات إنتاج السلاح وكلنا يعلم أنها من أعمدة الاقتصاد الأمريكى فى أسعارها وأرباحها وعمولاتها الضخمة وكيف أنها تمثل مصدرا رئيسيا من مصادر الصادرات الأمريكية ولكن العجز فى الميزانية الأمريكية لا يهدد أمريكا وحدها بل ينعكس على اقتصادات العالم كله خاصة مع ارتفاع حجم الديون وزيادة نسبة البطالة..
المهم أن العالم الآن يشهد مرحلة جديدة خرج فيها الفقراء إلى الشارع وإذا أدركنا أن هؤلاء الفقراء جاءوا من دول وأصول أفريقية وأن أعدادا كبيرة منهم تعتنق الإسلام لأدركنا خطورة المرحلة القادمة فى هذه الدول التى تدعى الحريات والتقدم.. إن انجلترا تعانى من اضطرابات عنصرية ودينية ولكن يبقى الفقر وسكان الأحياء المحرومة والفقيرة من أهم أسبابها.. وما حدث فى اليونان وإسبانيا وإيطاليا يمكن أن يقلب كل الموازين السياسية والاجتماعية.. ومع زيادة مساحة الرفض فى الدول الغربية لكل ما هو إسلامى وإذا أدركنا أن المسلمين فى أوروبا هم الفقراء والمغتربون لأدركنا حجم الأزمة التى تواجهها المجتمعات الغربية المتقدمة والتى تدافع عن حقوق الإنسان.. فهل تمتد هذه الصراعات الدينية والعرقية بأسبابها الاقتصادية إلى دول أخرى خاصة أمريكا وهى تحمل كل تناقضات العصر.. إذا كان العالم يريد أن يواجه هذه التقلبات والاضطرابات فعليه أن يطرح أولا أسباب هذه الظواهر والفقر والبطالة والتفرقة العنصرية فى الألوان والأديان هى السبب الرئيسى لكل الظواهر السلبية التى تجتاح العالم الآن ولا أحد يعلم مداها ومتى تتوقف خاصة أن الأرض ممهدة لهذه الظواهر فى دول تتغنى بالحضارة وتفتخر بحقوق الإنسان وهى أول من ينتهك إنسانيته ما بين الفقر والعزلة وغياب كل معايير العدالة والمساواة.
والآن ما هو موقف العرب والمسلمين مما يدور فى الغرب من احتجاجات ومظاهرات قد تتجاوز الحدود وتصبح أعمال عنف وانتقام.
هناك مخاوف على الأقليات الإسلامية والعربية فى أوروبا وأمريكا خاصة أن معظم هؤلاء من الطبقات الفقيرة.
هناك مخاوف على الأموال العربية فى الغرب أن يزداد حجم خسائرها أمام الاضطرابات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وقبل هذا كله هناك مخاوف من صراعات عرقية ودينية قد تجد فيها الحكومات الغربية فرصة لإبعاد ملايين المهاجرين من العرب والمسلمين والأفارقة أمام ضغوط شعبية قد لا تستطيع هذه الحكومات أن تقاومها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]