الحد الأدنى للأجور (كأن شيئا لم يكن)
نيفين كامل - [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حالة من الغضب والسخط سيطرت على الشارع المصرى بسبب قضية الاجور تصوير : محمد حسن
بينما كان الكثيرون يعتقدون أن إلزام محكمة القضاء
الادارى للحكومة بتحديد الحد الأدنى للأجر سيضع نهاية لهذا الموضوع الشائك
خلال 2010، كونه بمثابة «انتصار تاريخى لقيم العدالة الاقتصادية فى
المجتمع المصرى»، وفقا لتقرير الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية فى 2010،
لمركز الأهرام للدراسات السياسية، إلا أن قرار المجلس الأعلى للأجور بتحديد
400 جنيه كحد أدنى للأجور فى القطاع الخاص فقط، دون أن يشمل ذلك الجهاز
الحكومى أو القطاع العام، لم يكن مقبولا من كثيرين.«الحكومة
تستهدف خلال السنوات القادمة تحسين كفاءة سوق العمل، لرفع وتحسين معدل
الإنتاجية، ومن ثم زيادة القدرة على المنافسة والنهوض بمعدلات نمو
الاقتصاد. ويا ليتها تعلم أن الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك تكمن فى تحفيز
العامل من خلال تحسين مستوى الدخول والأجور. لماذا سيتوقف المدرس على سبيل
المثال عن إعطاء دروس خصوصية وإتقان عمله، إن كان لا يحصل على مقابل
لذلك؟»، يتساءل سمير رضوان، عضو هيئة الاستثمار، وعضو فى البرلمان المصرى
بالتعيين.
ويضيف رضوان، أحد خبراء سوق العمل فى مصر، «تدنى الأجور
فى مصر معضلة إذا تم حلها، سيتم حل كثير من المشاكل التى تعوق نهضة
الاقتصاد فى مصر».
ولكن لكى يكون الحد الأدنى الذى يتم تطبيقه عادلا،
يجب أن يرتبط التغيير الذى يحدث فى الأجر، وفقا لتقرير الأهرام، بتطور
إنتاجية العامل من جهة، وأن يكون كافيا لتلبية الاحتياجات الأولية لكل أسرة
من جهة أخرى.
غير أن الحكومة المصرية ترى أن زيادة الحد الأدنى
للأجور سيتسبب فى مزيد من الأعباء على الموازنة العامة، ومن ثم، كما أكد
يوسف بطرس غالى، وزير المالية، فى تصريحات تليفزيونية قبل أشهر: «هذه
الخطوة الأولية كافية خاصة وأنه من المقرر مراجعة هذا الحد وتعديله كل 3
سنوات».
ولا يتفق التقرير مع هذا الرأى مشيرا إلى أن قيمة الأجور
الأساسية فى الموازنة لا تمثل مبلغا كبيرا وإنما بند المكافآت والبدلات هو
الذى يستحوذ على النسبة الأكبر من الأعباء المالية التى تتكبلها الموازنة.
و«لأنه يتم التلاعب فيها ويتم توزيعها نتيجة للوسائط واعتبارات كثيرة ليست
من بينها الكفاءة أو الإنتاجية»، بحسب قول خبير من المركز.
وتشير
بيانات الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2010 /2011 إلى أن الأجور
الأساسية تقدر بنحو 19 مليار جنيه، أى ما يوازى 20.1 % فقط من إجمالى
مخصصات الأجور، بينما تبلغ حصة المكافآت والبدلات والمزايا النقدية نحو
55.6 مليار جنيه، أى ما يوازى نحو 58.8 % من إجمالى مخصصات الأجور. وتشكل
المزايا التأمينية نحو 10% من مخصصات الأجور، والباقى أجور إجمالية مدرجة
فى الموازنة.
«الأجور الأساسية تشكل نسبة أقلية من إجمالى مخصصات
الأجور، وهو ما يجعل ولاء العامل لرئيسه وليس للعمل نفسه، لأن الرئيس بيده
تحديد قيمة الدخول الإضافية للعامل»، يقول التقرير مشيرا إلى أنه لابد أن
يكون الأجر الأساسى للعامل هو أساس دخله من العمل ولا تزيد نسبة الحوافز
والبدلات على 100 % من هذا الراتب الأساسى لمعالجة هذا التشوه فى هيكل
الأجور.
كما تؤكد الحكومة أن رواتب موظفى الدولة جميعا تفوق الحد
الذى قرره المجلس الأعلى للأجور من ناحية، وأن الرقم يحصل عليه عمال بلا
مهارات أو عند أسفل سلم الخبرة العملية.
لماذا الحد الأدنى للأجور؟الحد
الأدنى للأجور، كما يقول عبدالفتاح الجبالى، رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز
الأهرام للدراسات الإستراتيجية، وعضو بالمجلس الأعلى للأجور، أداة أساسية
لضمان المستوى اللائق لمعيشة العاملين فى الدولة، وخلق نوع من التوازن بين
صاحب العمل والعمالة من خلال توفير حد أدنى للأجر يسمح بخلق نوع من الحماية
للعاملين فى الدولة، والأهم من ذلك خلق فرص عمل جيدة ومحترمة تكفل للعامل
دخلا عادلا ومكان عمل آمن وحماية اجتماعية، مما يتفق مع شروط منظمة العمل
الدولية.
هل 400 جنيه كافية؟بعد
ما يقرب من ربع قرن من ثبات فى الحد الأدنى للأجور، قرر الجهاز الإدارى
للدولة رفعه إلى 400 جنيه، فـ«هل من المعقول أن يكفى هذا المبلغ للاحتياجات
الأساسية مع التزايد المستمر للأعباء والأسعار على كل أسرة متوسطة؟»
يتساءل إبراهيم الأزهرى، عضو فى لجنة حقوق الإنسان فى الاتحاد العام
للعمال، مشيرا إلى أن الأسعار فى العالم بأكمله، ومصر بصفة خاصة، لا تزال
مرتفعة، ومعدل التضخم الشهرى، برغم تراجعه، يدل على ذلك.
كان المعدل
السنوى للتضخم، على مستوى الحضر، قد انخفض فى نوفمبر الماضى إلى 10.2 %،
مقابل 11 % فى أكتوبر، ليصل إلى أدنى مستوى خلال 15 شهرا،، بحسب ما أعلنه
الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلا أنه كما يؤكد هانى جنينة،
رئيس قسم البحوث فى بنك الاستثمار فاروس، هذا ليس إلا «انخفاضا وقتيا».
«هناك ضغوط تضخمية ومعدل التضخم سيشهد زيادة لا محال فى بداية العام القادم، ولن تنجح الحكومة أكثر من ذلك فى كبحه»، بحسب قوله.
ويتساءل
النقابى إبراهيم الأزهرى قائلا «أليس من حق الموظف المصرى تقاضيه راتبا
شهريا يسمح له بمواجهة هذا الغلاء، وتلبية احتياجاته الأساسية؟».
وقد
قام مركز الأهرام للدراسات فى تقرير الاتجاهات الاقتصادية الإستراتيجية فى
2010 بتحليل تطور راتب خريج جامعى منذ بداية عمله فى الجهاز الحكومى،
فوجد أن راتبه «ارتفع من 17 جنيها شهريا فى السبعينيات إلى نحو 28 جنيها
شهريا فى 1978، إلى نحو 200 جنيه شهريا فى الوقت الحالى، وفقا للتصريحات
الرسمية».
فى نفس الوقت قارنت الدراسة القوة الشرائية لهذا الراتب
فى الفترات الثلاث، فوجدت أن راتب خريج الجامعة فى بداية تعيينه كان يشترى
50 كيلو من اللحم فى الحضر (2500 جنيه حاليا)، ليشترى فقط 35 كيلو من اللحم
فى 1978، و4 كيلو حاليا.
«القدرات الشرائية للرواتب تنهار رغم
زيادتها الاسمية، وهو أمر أسطورى فى عبثيته فى بلد يرتفع فيه الناتج ومتوسط
نصيب الفرد منه، لكن توزيع الدخل يسوء فيه بشكل مضطرد بسبب سوء النظام
المنوط به»، يوضح التقرير.
ما هو الحد الأدنى العادل للأجور؟كان
مبلغ الـ 400 جنيه هو الحد الذى توصلت إليه المناقشات الأولية فى المجلس
الأعلى للأجور فى عام 2007، ولم يقبله اتحاد العمال وطالب بـ600 جنيه فى
الشهر. ومع تطور معدل التضخم ليصل إلى 20.2 % فى 2007/2008، و9.9 % فى 2008
/2009، وفقا للبنك المركزى، صار كثيرون يرون ضرورة رفعه على ذلك.
اقترحت
دراسة لمجلس الوزراء، عن «سياسات الأجور والإصلاح الاقتصادى فى مصر»،
أعدها سمير رضوان، مستشار بهيئة الاستثمار وخبير فى مجال العمالة والأجور،
وصدرت عن مركز المعلومات بمجلس الوزراء خلال الشهر الحالى، رفع الحد الأدنى
للأجور إلى 656 جنيها شهريا للفرد (باعتباره مسئولا عن أسرة مكونة من 4
أفراد)، وهذا ما يعادل خط الفقر اليومى، الذى يشمل 20 % من المصريين، والذى
بلغ 1968 جنيها للفرد سنويا، وفقا لأسعار سنة 2008، وتبعا لتقديرات وزارة
التنمية الاقتصادية والبنك الدولى.
فى الوقت نفسه، أشارت دراسة
للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، إلى أن الحد الأدنى الأنسب للأجور 733
جنيها، بينما يطالب اتحاد العمال بحد أدنى قيمته 1200 جنيه.