أستاذة جامعية تحذر من
خطة وزارة التعليم لافتتاح 800 مدرسة أمريكية مجانية في المحافظات
حذرت د. بثينة عبد الرؤوف مدرس أصول التربية بجامعة عين شمس من خطورة تعدد
الأنظمة التعليمية في المجتمع المصري، ودورها في تكريس الطائفية ، وخاصة بعد افتتاح
وزير التعليم زكي بدر لمدرسة أمريكية مجانية في القليوبية، ضمن مشروع يتبع المعونة
الأمريكية لمصر، ويهدف لإقامة 800 مدرسة تدرس المنهج الأمريكي في شتى محافظات
مصر.
وقالت د.بثينة "شعرت بإحباط شديد عندما وجدت أن هناك مواقف رسمية يتم
اتخاذها في الاتجاه المعاكس، مشيرة إلى قيام الدكتور احمد زكى بدر وزير التعليم
مؤخرا بافتتاح مدرسة أمريكية، وإشادته بهذا النوع من التعليم، وقوله إنه يتمنى أن
ينتشر في كل أنحاء مصر، وبما إنني على علم بموقف الوزير الرافض للتعليم الأجنبي منذ
توليه الوزارة، فكان من حقي أن أتعجب لهذا الموقف، خاصة أن هذا الموقف أدى إلى سعادة غامرةلأصحاب المدارس الدولية بما يعنى انه انفراجة لموقف الوزير وضوء اخضر لهذا النوع من التعليم".
ورفضت الباحثة ما يردده المدافعون عن هذه المدرسة، بحجة أنها مدرسة مجانية
وليست استثمارية كما هو معروف عن هذا النوع من التعليم، مؤكدة أن القضية هنا ليست
قضية مجانية أو استثمارية، ولكن القضية هي قضية منهج أجنبي تحت أي مسمى، فمن
المعروف أن أي نظام تعليمي وجد ليحقق أهداف وقيم وفلسفة مجتمعه، وكل مجتمع يحتاج إلى أفراد بمواصفات تختلف عن اي مجتمع أخر، وهذا يؤدي في النهاية إلى مناهج ذات مضمون معرفي يختلف من مجتمع إلي أخر و التي يتم وضعها بإتقان لتحقيق الأهداف المنشودة، ويتضح ذلك في نوعية القصص التي يدرسها التلاميذ والشخصيات التي يتخذها المجتمع كمثل عليا وأسماء الأفراد بل أن هناك من يرى أن الحقائق العلمية
تختلف في تناولها من مجتمع إلى أخر.
وتتساءل د.بثينة "ماذا يعنى هذا؟ يعنى انه لا يوجد نظام تعليمي محايد في
العالم ، ولا يوجد نظام تعليمي (راق ومتقدم) يصلح لجميع المجتمعات، وان دراسة
النشء لمقررات دراسية تابعة لنظام تعليم أجنبيي تؤدى إلى عدم وجود تآلف بين المستويات العلمية والأدبية بين أفراد المجتمع، مما يعنى النزاع والتفكك وتفتقد حياة الجماعة المشتركة قوتها وتتعدد الصراعات، فضلا عما تقوم به هذه المناهج من تهميش للثقافة الوطنية واللغة القومية".
وأضافت أن هناك كثير من النتائج التربوية المترتبة على دراسة مناهج أجنبية
وأهمها:
تنمية أنماط اجتماعية جديدة تتميز بدرجة عالية من المرونة في أساليب التفكير والاتجاهات بما تتلاءم مع متطلبات العصر الحديث ومتغيراته، ولكن هذه الكفاءات من النوعية المطلوبة للسوق الدولي أو للبلد الأم. بدلاً من إنتاج كفاءات تتواءم مع الاحتياجات والموارد المتاحة للاقتصاد المصري، والذي يختلف تماماً عن الاقتصاد الأمريكي.
بما أن كل نظام تعليمي يسعى من خلال مناهجه إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الخاصة بالمجتمع وتأتى في مقدمتها تكوين المواطن الصالح لهذا المجتمع، فإن هذه المناهج تسهم بطريقة مباشرة وطريقة غير مباشرة في نقل وتدعيم القيم المتفق عليها في المجتمع الأمريكي، وتحقق أهدافه، كما يؤكد على قيم الولاء والانتماء للولايات المتحدة الأمريكية. مما يؤدى إلى ضعف
الانتماء والولاء للمجتمع المصري وخلق جيل من الشباب في حالة من الضياع الثقافي فلا
هم ينتمون إلى مصادر الثقافة الأمريكية التي تشربوها في تعليمهم ولا هم قادرون على
استيعاب منابع الثقافة العربية الإسلامية المصرية، ويؤدى ذلك إلى شعور هؤلاء الطلاب
بالاغتراب عن بيئتهم ومجتمعهم، والرغبة في الهجرة إلى مجتمعات أخرى أو الشعور
بالإحباط نتيجة لعدم القدرة على حدوث ما يريده من تغيير أو عدم القدرة على التكيف
مع بيئته ومجتمعه من جهة أخرى.
تعتبر هذه المدارس صورة باهته للنموذج الذي نقلت عنه حيث فقد التلاميذ القيم الإيجابية في التعامل مع الكتاب المدرسي، (تقوم المدارس بتوزيع ملازم لموضوعات من الكتاب) وعدم القدرة على
القيام بالأنشطة المميزة التي تربط موضوعات المنهج بالبيئة المحيطة في المجتمع
الأمريكي. فلا يستطيع الطلاب على سبيل المثال الذهاب إلى الغابات أو المعالم
الطبيعية الواردة في كثير من القصص حيث يرتبط كل منهج بالولاية التي يدرس فيها.
وبذلك يفقد الطلاب القدرة على التعلم من خلال التجربة وهى أهم ما يميز التعليم
الأمريكي، حيث تستخدم معظم المدارس الطرق التقليدية في تدريس المواد والموضوعات
خاصة المرتبطة بالبيئة المحلية الأمريكية، ولقد اتفق عدد من العاملين بالمدارس
الأمريكية على أن المصريين أخذوا أسوء ما في التعليم الأمريكي وتمسكوا بسلبياته
المتمثلة في المرونة الشديدة في الدراسة ونظام الامتحان، وسهولة الحصول على درجات
مرتفعة، والحرية المطلقة للتلاميذ وعدم الالتزام بأي من قوانين وقواعد التعليم الحكومي.
هذه هي بعض النتائج المترتبة على تدريس المناهج الأمريكية، ولن أتحدث عن اثر هذا النوع
في تكريس الطبقية في المجتمع ، بما إننا نتحدث عن مدراس أمريكية مجانية!!.. ولكن إذا كانت هذه المدرسة حقا فتحت بغرض تقديم خدمة تعليمية راقية لأبناء الوطن فلماذا تكون أمريكية ، لماذا لا تكون مصرية الهوية والهوى لماذا لا تكون "المدرسة المصرية المميزة للمتفوقين ؟!!"، بحيث تقدم كل إمكانيات المدارس الدولية من معامل متطورة ومدرسين مميزين وملاعب واسعة ومنهج مصري،
وسوف أضمن لكم جيلا من المخترعين دون الحاجة إلى منهج أجنبي.
وفي النهاية تقول د.بثينة عبد الرؤوف "هناك تساؤل آخر أريد أن أطرحه على المسئولين..
لماذا تم قبول قيام أمريكا بفتح 800 مدرسة أمريكية مجانية في محافظات مصر، تحت مسمى
(منحة أمريكية للتعليم المصري).. ولماذا تكون المنحة في صورة مدارس تدرس المنهج
الأمريكي!!. إذا كانت هذه المنحة حقا لوجه الله والصداقة، لماذا لا تقدم المنحة في
هيئة مباني مدرسية متطورة ونقوم نحن بتحديد المنهج الذي يدرس؟!"