لوجه الله
تزوير الحكومة.. وتزوير الشعب!!
بقلم:بسيوني الحلواني
أثار مقال الأسبوع الماضي والذي حمل عنوان "الحكومة بريئة.. الشعب مزور" ردود فعل عنيفة وقاسية جداً بالنسبة لي حيث تلقيت عتاباً ولوماً من عدد من الزملاء وانهالت عليَّ الاتهامات والانتقادات اللاذعة من عدد كبير من القراء لدرجة ان أحد القراء أرسل لي قائلاً: "لقد كنت أحترمك وأقرأ لك ولم تعد جديراً بالاحترام"!!
سبب الهجوم التتاري للقراء والزملاء أنني كما فهموا من مقالي أبرئ الحكومة والحزب الوطني والأمن من حالات التزوير التي وقعت خلال جولتي انتخابات مجلس الشعب وهي حالات تزوير صارخة وفاضحة وتجلب الخزي والعار وتعود بنا إلي الوراء كثيراً.. وأحمل- أنا- الشعب المسكين الذي لم يعد قادراً علي الدفاع عن حقوقه كل مصائب التزوير الذي حدث والذي تحدثت عنه كل وسائل الإعلام العالمية وأدانته بعض القوي الخارجية.
مصيبتي الكبري في مقال الأسبوع الماضي- كما يراها القراء وعدد من الزملاء- أنني برأت الحكومة وصدقت علي كلام الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الذي تحدي ثبوط تورط أي جهة رسمية في حالات التزوير التي وقعت مع أن موظفي الحكومة الذين تم انتدابهم في اللجان هم الذين زوروا وان حالات التزوير التي وقعت كانت تحت حراسة الأمن لدرجة ان بعض الصناديق جاءت إلي اللجان في الصباح الباكر وهي مليئة بالأوراق وبها اختيارات الجماهير التي مازالت نائمة في بيوتها!!
جريمتي الكبري- من وجهة نظر هؤلاء- أنني دافعت عن الحزب الوطني ونفيت عنه تهمة التخطيط للتزوير والتنكيل بخصومه واقتناص معظم مقاعد البرلمان رغم أنف الشعب الذي أحمله مسئولية التزوير وأتهمه بأنه "شعب مزور".
ولم يفوت هؤلاء الفرصة دون اتهامي بالتطلع إلي مكافأة من الحكومة والحزب الوطني الديمقراطي علي ما كتبت دفاعاً عن الاثنين!!
***
وحتي لا تختلط الأوراق أقول لكل الناقمين والساخطين عليَّ والذين وجهوا لي انتقادات قاسية لو دققتم النظر في كلماتي لتراجعت عن الاتهامات التي كلتموها لي فأنا لم أبرئ الانتخابات من جريمة التزوير ولم أصفها بالنزيهة فحالات التزوير التي وقعت اعترف بها الجميع حتي قيادات الحزب الوطني أنفسهم وقد شاهد العالم كله جوانب منها وهي من وجهة نظري كفيلة بتشويه سمعة المجلس الجديد طوال السنوات الخمس القادمة ان كتب لهذا المجلس البقاء.
لكنني مازلت علي قناعة ويقين بأن المتهم الرئيسي في هذا التزوير هو "الشعب" فالموظفون الذين ارتكبوا جريمة التزوير وسودوا البطاقات وقفلوا الصناديق فعلوا ذلك بإرادتهم الحرة أو تحت سطوة المال والرشاوي الانتخابية أو التهديد من رؤسائهم في العمل ومع ذلك هم المسئولون عما حدث وكان بإمكانهم ان يرفضوا ذلك ولديهم العديد من وسائل الاحتجاج والرفض والتشهير بالذين يحاولون إكراههم علي التزوير.
وإلي جانب هؤلاء كان هناك موظفون شرفاء رفضوا كل محاولات التزوير وتمسكوا بالنزاهة والأمانة وأعطوا لكل مرشح حقه ولم يجرؤ أحد علي التعرض لهم أو إلحاق أي أذي مادي أو معنوي بهم.
والمواطنون الناخبون الذين قبضوا أثمان أصواتهم هم الذين تخلوا عن الأمانة والنزاهة وباعوا ضمائرهم لمن يملكون المال ولمن قدموا لهم الرشاوي الانتخابية أو خدعوهم بأنهم الأصلح.
الحكومة لم تستأجر آلاف البلطجية الذين شاهدناهم يحملون كل أنواع الأسلحة لتهديد الناخبين.. ولم يشكل الحزب ميليشيات مسلحة لإرهاب المرشحين أو الناخبين.. لكن كل هؤلاء البلطجية من بيننا نحن أبناء الشعب المصري الذي يتطلع إلي انتخابات نزيهة وأعضاء مجلسي شعب وشوري يحملون علي الأقل الحد الأدني من الصفات والخصائص والكفاءة التي تؤهلهم للدفاع عن مصالح شعب مطحون يعاني من كل أشكال الفساد الإداري والمالي والأخلاقي وتهدر معظم ثروته علي المستغلين والانتهازيين والحرامية!!
رجال الأمن الذين اتهمهم البعض بالتدخل في الانتخابات وحماية التزوير وترويع الناخبين هم حالات نادرة وشاذة فلا أحد يستطيع اتهام أجهزة الأمن في كل الدوائر الانتخابية بالمساعدة علي التزوير أو حراسته أو السماح به وأفراد الأمن هؤلاء هم جزء من الشعب ولا يستطيع أحد ان يفرض عليهم إرادته وقادرون- لو أرادوا- علي التصدي لكل التجاوزات.
***
مازلت علي موقفي وقناعتي بأن المسئولية الكبري في التزوير تقع علي عاتق الشعب وليس الحكومة.. أو الحزب.. قد يحقق التزوير هدفاً للحكومة التي تتمني التخلص من العناصر المزعجة في مجلس الشعب السابق والتي شوهت سمعتها بالاستجوابات والاتهامات الحقيقية والعشوائية خلال السنوات الخمس الماضية وقد يكون في التزوير مصلحة حقيقية للذين اقتنصوا مقاعد مجلس الشعب لكننا الذين ساعدناهم علي ذلك وأعناهم علي تحقيق أهدافهم بالوسائل المشروعة وغير المشروعة.
من العار أن ننظر إلي أنفسنا علي أننا شعب مغلوب علي أمره وان مصير كل شيء في حياتنا في أيدي حفنة من الانتهازيين الذين يريدون احتكار كل شيء.
نحن الذين زورنا.. ونحن الذين شاهدنا المزورين وتسترنا علي جرائمهم ونحن الذين حققنا للحكومة وللحزب الوطني وللمشتاقين للجلوس تحت قبة البرلمان ولا يستحقون نيل هذا الشرف أهدافهم ومطامعهم.
أليس الشعب هو المزور؟!