اللواء محمد سعد إبراهيم :قوات الدفاع الجوى قطعت ذراع إسرائيل
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]استطاع أبطال الدفاع الجوى عزف سيمفونية رائعة خلال حرب أكتوبر 73 من خلال التعاون بين وحدات المدفعية المضادة للطائرات ووحدات الصواريخ وهو ما أدى إلى قطع يد إسرائيل الطويلة التى كانت تتغنى بها دائماً، اللواء أركان حرب محمد سعد إبراهيم حاول فى لقائه معنا تذكر هذه اللحظات من خلال موقعه فى ذلك الوقت قائلا: يوم 4 أكتوبر تم استدعاؤنا إلى القيادة وكنت فى ذلك الوقت برتبة نقيب أعمل فى نطاق الجيش الثالث الميدانى بمنطقة السويس وكانت وحدتى مكلفة بتأمين وحدات مدفعية الميدان والتى تعاون قوات الجيش فى العمليات وتم تأكيد المهام لجميع الوحدات دون إعلان لأى توقيتات خاصة توقيت بدء العمليات.
* كيف كانت ساعات ما قبل الضربة الجوية.
** كانت الجدية فى هذه المرة مختلفة عن المشروعات السابقة وهذا صعّد لنا الإحساس باقتراب الحرب، وهو ما نقلناه لمرؤوسينا بعد تأكيد المهام لهم مرة أخرى.
وفى يوم 5 أكتوبر تسلمنا مظروفات مغلقة من قيادة اللواء إلى جميع الوحدات على أن يتم فتحها بأوامر دون العلم بمحتوياتها، كل هذا ونحن لا نعلم هل الحرب آتية أم لا؟ ولا يوجد سوى أحاسيس ترددت لدينا تؤكد أن الحرب قد اقتربت.
الساعة 1330 يوم 6 أكتوبر تم استلام الأمر بفتح المظاريف المغلقة وتم فتحها ووجدنا بها بيان الضربة الجوية والطلعات فى منطقة المسئولية بالنسبة لوحدتى وأسلوب التأمين من خلال تقييد النيران أثناء الذهاب والتحذير أثناء العودة، ورغم ذلك لم نكن نصدق ما يحدث.
كنا غرب القناة ونبعد عن المانع المائى 5كم والساعة 1405 بدأت الضربة الجوية بعبور الطائرات لقناة السويس وهنا تأكد لنا أن الحرب بدأت، ثم بدأت المدفعية الضرب فى توقيت واحد من الغرب إلى الشرق.
الرد الإسرائيلى
* ما هو المشهد مع بداية عبور القوات؟
** اعتبارا من الساعة 1440 بدأت القوات الإسرائيلية فى توجيه الهجمات الجوية ضد مناطق العبور والقوات التى كانت تعبر باستخدام القوارب المطاطية والتى تستعد للعبور غرب القناة وأماكن تشوين وإقامة الكبارى وهنا بدأت الاشتباكات فانطلقت صواريخ الدفاع الجوى من وحدات الصواريخ المجاورة لنا.
وقمت بالمرور على جميع أفراد وحدتى بالكامل لرفع معنوياتهم ووجدت الجنود والضباط غاية فى الشجاعة والإقدام.
وبدأت الاشتباكات بواسطة وحدتى بالاشتراك مع وحدات الصواريخ وتم إسقاط طائرتين فى قطاعنا من طائرات العدو وبعد ساعتين توقفت الهجمات من جانب سلاح الجو الإسرائيلى تماماً وعلمنا بعد ذلك أن قيادة القوات الإسرائيلية أصدرت أوامرها إلى الطيارين بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم.
ساعة 1500
وخلال ليلة 6 و7 أكتوبر صدرت لنا الأوامر بالاستعداد للتحرك والعبور شرق القناة اعتبارا من ساعة 900 صباح يوم 7 أكتوبر وتم التحرك بالفعل إلى الكوبرى المخصص للعبور ولم يتم العبور فى حينه نظراً لتأخير إنشاء الكوبرى نتيجة أعمال القصف الجوى فى المنطقة فما كان منا كوحدة دفاع جوى إلا الانتشار حول منطقة العبور والاشتباك مع الهجمات الجوية من قبل سلاح الجو الإسرائيلى التى كانت توجه ضد قواتنا التى تستعد للعبور وفى ساعة 1500 نجحت وحدات الكبارى فى إنشاء الكوبرى وتم عبور الوحدة ساعة 1600 يوم 7 أكتوبر وكان أول لقاء لنا مع الضفة الشرقية للقناة بعد غياب دام 6 سنوات منذ عام 67 وحتى أكتوبر 73.
وتم دفع سرايا المدفعية المضادة للطائرات لاحتلال مواقعها التى سبق تحديدها على الخرائط فى خطة العمليات، وذلك بعد تأكيدها على الأرض وحتى ساعة 2100 يوم 7 أكتوبر تمت أعمال التجهيز للقيادة والمواقع وأصبحت جاهزة للقتال من الضفة الشرقية للقناة منذ ذلك التوقيت.
ولا أنسى أن جميع الجنود سجدوا لله شكراً عقب وصولهم سيناء وهذه الصورة لا تفارق ذهنى أبداً، ولا يستطيع أى قلم وصفها فهو إحساس لا يوصف ولا يستشعره إلا من كان داخل الحدث نفسه.
فرحة العبور
* هل كنتم صائمين فى هذا اليوم؟
** كنا جميعا صائمين وبدأ الإفطار الساعة 9 مساء بعد أن جهز لنا بعض الأفراد وجبة ساخنة وهناك صورة لا أنساها أيضاً فقد استطاع الجنود من شدة الفرحة والسعادة بالعبور إلى سيناء نسيان كل شىء سوى العبور.
وأعود بك لأستكمل المشهد، ففى صباح يوم 8 أكتوبر كثف العدو هجماته الجوية ضد وحدات مدفعية الميدان وضد وحدات الدفاع الجوى، وتم قصف إحدى السرايا بواسطة الطيران الإسرائيلى، وأسقطت عليها قنابل زمنية وقنابل «بلى» وعندما أبلغنا قائد السرية بذلك تم إبلاغه بسرعة الإخلاء والمناورة إلى موقع آخر تبادلى مع اتباع كافة التعليمات والإجراءات الخاصة، وهنا أذكر شيئاً مهماً أن التدريب فى السلم يوفر الدم فى الحرب، وهذا مبدأ مهم جداً فى القوات المسلحة. وقد قام قائد السرية بناء على التدريبات التى قام بها من قبل وتم الأخلاء إلى موقع آخر.
وتحركت كقائد إلى الموقع وقمت برفع معنويات الجنود وأشرفت على عملية الإخلاء وأكدت لهم أهمية استمرارهم فى القتال وتم بالفعل الإخلاء ومواصلة السرية للقتال من موقع آخر بديل كان مخططاً له من قبل.
* كيف أمكنكم قطع يد إسرائيل الطويلة وتدمير عدد كبير من طائراتها؟.
** خلال يوم 9 و10 أكتوبر واصل الطيران الإسرائيلى هجماته مع استمرارنا فى التعامل والاشتباك معهم وسقطت خلال هذه المرحلة 4 طائرات فى قطاع المسئولية، وكان التعاون والتكامل بيننا وبين وحدات الصواريخ له دور كبير فى قطع يد إسرائيل الطويلة وتدمير عدد كبير من طائراتها، وبالتوازى مع ذلك كانت هناك عمليات التجهيز الهندسى ورفع كفاءة المواقع ومراكز القيادة، مما أدى إلى عدم حدوث خسائر تذكر نتيجة القصف الجوى أو الأرضى بواسطة مدفعية العدو والتى قامت بأعمال القصف المركز على مواقعنا.
واستمرت أعمال القتال خلال الفترة من يوم 11 وحتى يوم 16 أكتوبر وبدأت المعركة فى التصاعد حتى بلغت ذروتها يوم 22 أكتوبر قبل وقف إطلاق النار لمعاونة أعمال قتال القوات البرية فى الثغرة، وخلال هذه المرحلة وقع عبء تأمين القوات شرق القناة فى نطاق الجيش الثالث الميدانى على وحدات المدفعية المضادة للطائرات نتيجة لمناورة وحدات الصواريخ (م.ط) إلى خارج الثغرة غرباً.
وبالرغم من كثافة الهجمات من قبل الجيش الإسرائيلى خلال هذه الفترة لم تحدث خسائر تذكر فى وحدتى رغم الاشتباكات المتكررة مع الطيران الإسرائيلى، وذلك لاتباعنا قواعد الاشتباك التى تتناسب مع التفوق الجوى للطيران الإسرائيلى، وجاء ذلك بسبب الخبرة المكتسبة خلال حرب الاستنزاف.
قوات بدر
* وماذا عن الثغرة وحصار القوات المصرية؟.
** فى هذه المرحلة حاول بعض المشككين الحديث عنها للتقليل من حجم النصر الذى حققته القوات المسلحة، والعكس هو الصحيح.
فقد أظهر الحصار المعدن الحقيقى للمقاتل المصرى فى ظل الظروف القاسية من حيث قلة معظم الموارد سواء من مياه أو وقود وفى ظل ندرة هذه الموارد وتكاتف الجميع فى التغلب على هذه الظروف من خلال إتباع مبدأ القليل يؤدى الغرض.
فلم يتم التأثير على الروح المعنوية بل فجرّ هذا الموقف فى نفوس الجميع طاقات عظيمة وإبداعات خاصة تمثلت فى تنقية المياه من خلال الجنود الذين استدعوا ما درسوه من علم خاصة من المؤهلات العليا والمجندين فى الجيش.
ووسط الحصار قامت القوات بإقامة حفلات سمر لرفع الروح المعنوية للجنود وقام القادة بأعمال المرور المستمرة على الوحدات الصغرى لرفع معنوياتها وتوعيتهم بأهمية استعدادها مرة أخرى للقتال عند صدور الأوامر..
وهذا يؤكد أننا كنا فى الثغرة مستعدين لتصفيتها مع القوات فى غرب القناة.
وقد أظهر الحصار إنكار الذات وإيثار النفس عن قطعة عيش أو شربة مياه على كافة المستويات وزاد التلاحم بين الجميع وهذا معدن الجندى المصرى.
وهنا اتذكر مشهدا لا أنساه أيضاً عندما انتهى الحصار فى 17 يناير بعد اتفاقية فصل القوات الأولى وبعد محادثات الكيلو 101 وتم فك الحصار وبدأ نزول الإجازات اعتبارا من أول فبراير 1974 فى قطارات سميت قطارات قوات بدر ونحن عائدون ركبنا القطار من المرج إلى رمسيس لنجد القاهرة عن بكرة أبيها خرجت لتحية هذه القوات وخرج الشيوخ والأطفال والرجال والسيدات حتى وصلنا إلى محطة رمسيس، وهذا يؤكد اعتزاز الشعب المصرى بقواته المسلحة، وهو مشهد سيظل محفورا فى الذاكرة مدى الحياة.