العز بن عبدالسلام نموذج عالم يقتدى به
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
فى وقت تهب فى الرياح قوية على أمتنا الإسلامية وتعصف فيه العواصف بها وتتحرك فيه الأعاصير تحاول زعزعتها والقضاء عليها وتحاول إقتلاع شجرة الإسلام من جذورها القوية الراسخة , فى وقت تتكشف فيه الخطط والحيل والمؤامرات من مشارق الأرض ومغاربها للنيل من ديننا وعقيدتنا وأرضنا , فى وقت يذبح فيه أطفال العراق وبحرق فيه أجنة غزة فى بطون أمهاتهم تحت ضربات العدو الصهيونى المتغطرس , فى وقت تقسم فيه الأمة إلى أمصار صغيرة لكل مصر أمير وحاكم ويتنازع هؤلاء الموتورين على المناصب والكراسى , وتقسم فيه هذه الأمصار إلى أمصار أقل وأصغر , فى كل الظروف الصعبة المؤلمة لا نجد علماء على قدر المسؤولية .
فى كل هذه الأوقات العصيبة نرى علماء أمتنا يتكلمون عن كيفية غسل الرأس فى الصلاة وعن ذلك القدر من الشعر الذى يجب مسحه ويتكلمون عن كيفية القيام من الركوع فى الصلاة وهل يجب رفع اليدين مع التكبير أم لا , ويتنازعون ويتهم بعضهم بعضا بالجهل وبكذا وكذا , هذا كله فى الفروع الفقهية البسيطة , نحن لا نقلل من شأن الوضوء والصلاة فحاشا لله أن نفعل ذلك , ولكننا نستغرب من التحدث فى مثل هذه الأمور الفرعية ونترك أمتنا وشعوبنا تواجه مصيرها المؤلم المحزن دون أن يكون للعلماء دور فى هذا , فأين علماؤنا من مذابح العراق ومجازرها وما يفعله ذلك العدو فيها , أين هم من قتل مليونى عراقى وتشريد الملايين , أين هم من محارق غزة وحصارها حتى تركع وتتنازل عن عقيدتها ودينها , أين هم مما تفعله السلطات العراقية والفلسطينية بحق الشعوب , أين هم مما تفعله فتح فى فلسطين وحربها على الإسلام والمجاهدين , أين هم مما يحدث من مجازر يقوم بها نصارى أثيوبيا فى الصومال المنسية أم أنها لا تخصنا ولا تهمنا .
أليست كل هذه بلاد الإسلام والإعتداء عليها يحتم على كل المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها أن يهبوا للدفاع عنها فلا إذن ولا عذر , فإن كان العلماء الذين من المفترض أن يكونوا هم رأس حربة الأمة قد تخاذلوا وتراجعوا وتكاسلوا ونسوا هموم الأمة ونحوها جانبا , فمن يذكرها ومن يتحملها ومن يهب للدفاع عن أمتنا , وحتى إن تحرك بعض العلماء وخرج عن صمته ليحفظ ماء وجهه فإنه يتكلم فضفاضا , يتكلم كلام العامة لا كلام الخاصة من العلماء , وعلى سبيل المثال فى محرقة غزة الأخيرة والتى قتل فيها فى يومين فقط مائة وعشرون شهيدا معظمهم من حركة حماس خرجوا ليقولوا كلاما يحمل الكثير من المعانى لا يحق حقا ولا يبطل باطلا , كلاما لا يسمن ولا يغنى من جوع يساوون فيه بين من يتاجرون بهموم الشعب لأجل الكراسى والمناصب والسلام المزيف وبين من يقدمون أولادهم فداء لدين الله .
سأسوق هنا مثالا لرجل من الرجال وعالم من العلماء وفقيه من الفقهاء حمل هم الأمة على كتفه واجه دعاة الظلم والبغى من الأمراء والسلاطين ووقف فى وجوههم معلنا كلمة حق لا يخشى فيها لومة لائم , إنه الشيخ الإمام العز بن عبدالسلام الدمشقى رحمه الله , فقد كانت الأمة فى عصره تتعرض لخطرين عظيمين
_ الأول هم التتار والذين كانوا يهاجمون الأمة الإسلامية وأول من تعرضوا لهم من المسلمين هى الدولة الخوارزمية وقد كانت البوابة الشمالية الشرقية للبلاد الإسلامية وكان يحكمها السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه محمد بن تكش رحمه الله وكان الشيخ العز بن عبدالسلام يؤيده ويسانده ويجمع له الأموال ويرسلها له لكى يساعده فى تكوين الجيوش لمواجهة التتار وعندما قتل جلال الدين وسقطت دولته وسبيت إبنته وإبن أخته ( سيف الدين قطز ) وعلم الشيخ بخبره إعتنى به وعلمه أمور الدين ورباه لكى يكون رجلا يحمل هم الأمة ويدافع عنها .
_ الخطر الثانى الذى كان يواجهه هو موالاة حاكم دمشق وكان يسمى الصالح إسماعيل للفرنجة ومساندتهم له رغبة منه فى أن يساعدوه فى انتزاع مصر من يدى إبن أخيه الصالح نجم الدين أيوب , وعندما كثر فساد اسماعيل وعزم على انتزاع مصر لم يقل الشيخ إن هذه سياسة وأنا لا أتكلم فى السياسة ولم يقل من الكياسة ترك السياسة بل صعد الإمام ابن عبدالسلام منبر المسجد الكبير بدمشق يوم الجمعة وقال كلاما يرضى الله عز وجل ولا يرضى الملوك والسلاطين وتبرأ من اسماعيل ومما يفعله ودعا المسلمين إلى قتل كل من يرتاد الاسواق من الفرنجة وحرم البيع أو الشراء منهم وإن كسدت تجارتهم وفسدت بضاعتهم , فاعتقل الشيخ فلم يتراجع وحددت إقامته فى بيته فلم يركع ثم طرد من دمشق بعد أن دبر خطة مع أتباعه هناك ليهزم إسماعيل ومن معه ونجحت الخطة بحمد الله .
جاء الشيخ إلى مصر وأقام فيها وعين قاضى القضاة حكم بين الناس بالعدل ولأن السلطان أيوب كان قد أكثر من شراء المماليك وقد كانوا يقومون بما يقوم به الحر من أعمال عامة وخاصة ولكن الشيخ رفض ذلك وأبلغهم وأوقف تعاملاتهم وحاول الأمراء استرضاء الشيخ فلم يفلحوا وأصر على بيعهم لصالح بيت المال وعندما رفض السلطان خرج الشيخ من مصر ولكن السلطان أدرك خطورة الأمر فأرسل إليه ليرجعه فوافق الشيخ بشرط أن يباع الأمراء وفعلا باعهم الشيخ واحدا واحدا لصالح بيت المال ولهذا لقب بائع الملوك حيث كان من بين هؤلاء ملوكا فيا بعد .
عندما قام بعض الأمراء المماليك ببناء غرفة أعلى سطح مسجد ليسمروا فيها رفض الشيخ ذلك وأمر الشرطة بهدم الغرفة فلم يفعلوا فاشتكى إلى السلطان فلم يستجب وحذر الشيخ من هدم الغرفة فماكان من الشيخ الذى لا يقبل المهادنة ولا المساومة فى دين الله والذى لا يخشى فى الحق لومة لائم إلا أن حمل فأسه وهدم الغرفة بنفسه ثم نحى نفسه عن منصب القضاء وجلس يعلم الناس أمور الدين .
وعندما قاد لويس التاسع حملته إلى مصر كان السلطان أيوب مريضا وسافر للعلاج فى دمشق فأرسل له الشيخ رسالة عاجلة قال له فيها ( إن صحة السلطان فى خطر والإسلام فى خطر والإسلام باق والسلطان فان فلينظر السلطان أيهما يختار ) فعاد السلطان مسرعا رغم المرض ( لأنه وجد عالما قويا لا يرضى بالدنية فى الدين ) وقاد المعركة ولكن لشدة المرض جاء أجله فمات قبل انتهاء المعركة .
عندما وصل التتار إلى دمشق فى طريقهم إلى مصر كان سباقا فى الدعوة إلى خلع سلطان البلاد وكان طفلا صغيرا يدعى على المنصور وهو ولد عز الدين أيبك , ودعا إلى أن يتولى قطز أمور البلاد وعمل معه على تكوين الجيش وجمع المال من الناس وتهدئة الأمراء والسلاطين الذين كانوا ثائرين وناقمين على قطز وحينما بدأت المعركة وكات السيوف تهز السيوف كانت دعوات إبن عبدالسلام تهز أرجاء الكون من على منبر الجامع الأزهر وهو يتضرع إلى الله أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يكشف الغمة عن الأمة .
هذا نوذج للعالم الذى نتمناه , العالم الذى يحمل هموم الأمة على كتفه , الذى يرفض أن يكون دمية بيد حاكم أو سلطان , العالم الذى يرفض أن تغيب شريعة الله , ويرفض أن يخفى كلمة حق و أن يقف ساكتا وجراح الأمة تقطر دما , فنعم هذا الرجل من عالم وليت فينا رجل مثله .
والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل
أخوكم فى الله / مجدى داود
منقووووووووووووووووول