ذاكرة الأمة
عبدالباسط .. والحصري
ذكري العباقرة
** ثمة شيء ما يربط بين القارئين العظيمين عبدالباسط محمد عبدالصمد. ومحمود خليل الحصري. المؤكد أن هذا الشيء هو دكة التلاوة رغم أن الأول علم في التجويد. والثاني علم في الترتيل. ولكن ما ذكرني بهما هو ذكري رحيلهما في مثل هذه الأيام. فقد رحل الشيخ الحصري في يوم الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1980. وغادرنا الشيخ عبدالباسط في يوم الثلاثين من نوفمبر أيضا من عام ..1988 والحصري خرج إلي الحياة بقرية شبرا النملة غربية في سبتمبر من عام 1917. بينما خرج عبدالباسط إلي الحياة بقرية أرمنت التابعة الآن لمحافظة الأقصر يوم الفاتح من يناير عام 1927. أي أن الحصري سبق عبدالباسط في الخروج إلي الحياة بعشر سنوات. وسبقه أيضا في الرحيل بثماني سنوات. وربما يكون ما يربط بينهما هو المسجد الحسيني. فقد عين الحصري قارئاً للسورة بالمسجد الحسيني عام 1955 خلفا للقاريء الشيخ محمد الصيفي. كما عين عبدالباسط قارئا للسورة بنفس المسجد عام 1985 في أعقاب رحيل الشيخ محمود علي البنا. وسبق الشيخ الحصري أيضا الشيخ عبدالباسط وكافة عباقرة التلاوة في عصره بتسجيل المصحف المرتل للإذاعة حتي ارتبط اسمه أو كاد بإذاعة القرآن الكريم وأطلق عليها البعض "إذاعة الحصري" علي غرار "إذاعة أم كلثوم" واعتمد الشيخ عبدالباسط في الإذاعة في أعقاب تلك الليلة التاريخية التي شهدت بزوغ نجمه أثناء الاحتفال بمولد السيدة زينب رضي الله عنها عام 1951. بينما اعتمد الشيخ الحصري بالاذاعة قبله بسبع سنوات.
** وإذا كان الشيخ الحصري قد حرص علي تولي المناصب القرآنية إذا جاز التعبير وفي مقدمتها تعيينه شيخاً لعموم المقاريء المصرية عام 1960. ورئيسا لاتحاد قراء العالم الاسلامي عام 1968. فان الشيخ عبدالباسط قد حرص علي غزو العالم الاسلامي بحنجرته الذهبية عندما انطلق صوته بساحة المسجد الزينبي بمطلع الخسمينيات بما تيسر من سورة الأحزاب ليزلزل الدنيا بأكملها ويصبح في لمح البصر ثالث أعظم صوت يصافح آذان المسلمين بعد الشيخ رفعت والشيخ مصطفي اسماعيل طيب الله ثراهم جميعا. ويحسب للشيخ الحصري أنه جمع بين الحسنيين: الحرص علي أحكام التلاوة. والعمل علي نشر القرآن الكريم ما وسعه الجهد في كافة أنحاء العالم الاسلامي بامتداد مسيرته القرآنية الثرية خلال ثلث قرن ما بين منتصف الأربعينيات ومطلع الثمانينيات. كما يحسب للشيخ عبدالباسط أنه أول قاريء للقرآن الكريم في تاريخنا المعاصر يستقبل في البلدان الاسلامية استقبال الملوك والرؤساء وأول قاريء يستمع إليه أكثر من ربع مليون مسلم في جاكرتا وقوفاً حتي مطلع الفجر إبان زيارته لأندونيسيا.
** آخر الكلام:
اختير القاريء الشيخ عبدالباسط عبدالصمد كأول نقيب للقراء في أعقاب صدور القرار الجمهوري بانشاء نقابة القراء عام 1983. وارتبط اسم الشيخ الحصري بتقديم عدد من المؤلفات في علم القراءات وضع عليها اسمه. ويري البعض أن هذه المؤلفات تخص عددامن معلمي القراءات أمثال الشيخ عبدالفتاح القاضي والشيخ الضباع والشيخ الجريسي. لكن الحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن الشيخ الحصري عمل باخلاص وتفان لتقديم تلك المؤلفات وتوزيعها مجانا لدارسي علوم القراءات عموما. وللسميعة والقراء علي وجه الخصوص لخدمة القرآن الكريم في المقام الأول. ولولاه ما استفاد منها أحد علي الإطلاق..!
- وبعد اثنين وثلاثين عاما علي رحيل القاريء الشيخ مصطفي اسماعيل. وثلاثين عاما علي رحيل القاريء الشيخ محمود خليل الحصري. واثنين وعشرين عاما علي رحيل القاريء الصعيدي عبدالباسط محمد عبدالصمد سليم. أجدني أستعيد إجابة عمنا "محمود السعدني" عندما سئل عن الفرق بين عبقري التجويد مصطفي اسماعيل. وعبقري الترتيل محمود الحصري فأجاب: الفرق بين مصطفي اسماعيل ومحمود الحصري هو الفرق ذاته بين الأديب نجيب محفوظ وبين أستاذ الأدب في الجامعة.. أي أستاذ..!!