المهذب مدير المنتدى
عدد المساهمات : 3792 تاريخ التسجيل : 24/09/2010 الموقع : انا المصرى
| موضوع: صابرين لا تحتاج حَلوانا الخميس ديسمبر 02, 2010 5:10 pm | |
| صابرين لا تحتاج حَلوانا الخميس, 02 ديسمبر 2010 20:14 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نيفين مسعد القلم بين أصابعى أستعد للكتابة عن الانتخابات وأشياء أخرى، فلا يطاوعنى. حكاية صابرين دياب، التى عشنا معها على مدى الأسبوعين الماضيين تطاردنى فلا أستطيع منها فكاكا.صورتها بقميصها الأبيض ونظرتها إلى المجهول وابتسامتها غير الكاملة وشعرها المموج تجعل منها كائنا يُرى ويُحس. ضجيج السيارات يتناهى إلى سمعى فأحسَب صابرين داخل إحداها فى طريقها إلى مطار القاهرة على مرمى حجر من بيتى، فأنقبض. أود لو كنت قادرة على استقراء ما حدث لها حتى أصرخ فيها أرجوكِ لا تمرى من هذا الطريق، لكنها تمر ولا أملك تحذيرها.فى البدء كانت صابرين دياب مجرد خبر. صحفية فلسطينية من أبناء 1948 الذين يتحملون فى صمت بشاعة الاحتلال وقسوة شكوكنا، ومع ذلك فإن شيئا لا يقدر على اقتلاعهم من أرضهم. تحمل جوازا إسرائيليا مدموغا بالنجمة السداسية الكريهة، لكنها فى الوقت نفسه تراسل صحيفة العربى، التى يصدرها الحزب العربى الناصرى بتوجهاته القومية التى تعلو فوق المزايدة.ولعل فى عملها هذا يكمن أحد أسباب ما لحق بها من أذى، على ما سوف نرى، لكنه على أى حال ليس السبب الوحيد. جاءت صابرين إلى القاهرة قبل أسبوعين لتجرى عدة لقاءات صحفية، حتى إذا أنهت عملها وهمت بالعودة، صدمها وجود أمنى إسرائيلى على أرض مطار القاهرة استباح سيادتنا وآدميتها، وأثار فى نفس كل عربى حر شعورا مركبا يختلط فيه الاشمئزاز بالمهانة.فى مرحلة لاحقة تَحَول خبر صابرين دياب إلى قضية من قضايا الرأى العام فى مصر، وأطلق حملة إلكترونية للتوقيع على وثيقة تدين ما حدث لها وهذا أضعف الإيمان، وأشعل الرءوس بعشرات الأسئلة من نوع: ما التكييف القانونى لوضع المطارات الدولية؟ وما السلطة التى تملكها أى دولة فى العالم ــ ناهيك عن أن تكون هذه الدولة هى إسرائيل ــ فى أن تمارس صلاحيات المراقبة والتحقيق والتفتيش والمصادرة بجرأة وقحة مع المسافرين إليها من دولة أخرى؟ وهل تسرى على مثل هذه الحالة الشاذة قاعدة المعاملة بالمثل؟ وكيف السبيل لمحاسبة من يهدر كرامة المسافر ويستبيح جسده فى سادية معلنة؟إن أكثر المصريين المترددين على مطار القاهرة لا شك صدمتهم لوحة الإعلانات الضوئية عندما قرأوا عليها تنويها عن رحلة من شركة العال الإسرائيلية إلى تل أبيب، والبعض منهم تجددت صدمته فى كل مرة طالعه تنويه مماثل، وكأن ذهنه يتطهر فورا من هذه المعلومة لتعود تدهشه من جديد، لكن أحدا فيما أظن لم يدر بخلده أن أمن المسافرين من مطار القاهرة، ولو كانت وجهتهم تل أبيب، يتولاه ضباط إسرائيليون.ومع ذلك فإن قصة صابرين دياب ليست فقط قصة أمن مُخترق وسيادة مُهدرة، لكنها أيضا قصة امرأة عربية تعرضت لتجربة لا أقسى منها على أرض مصر، وتلك هى الزاوية، التى سأطل منها على صابرين، فليس فى مقدور أحد أن يشعر بعمق الجرح، الذى أصاب صابرين إلا امرأة مثلها. فجَّر مقال د. حسن نافعة عن هذه الشابة الفلسطينية العنيدة فى المصرى اليوم بتاريخ 28 نوفمبر، مشاعر الغضب فى داخلى، ببساطة لأنه تركها تحكى بلسانها، ولم ينقل عنها، وما كان أحد أصدق منها تعبيرا.أعلم يا صابرين كم آلمك أن يعبث جنود إسرائيل بأشيائك الخاصة، وأن يدسوا أياديهم النجسة فى حاجياتك ويحملقوا فى أمتعتك، ثم يتغامزون ويتهكمون. أعلم كم تدارى المرأة منا أدوات الزينة وصور الأهل ومناديل الورق فى حقيبة يدها وتصد عنها عيون الرجال، فما بال من يَنقـض على ثيابك وما بالك أن يكون هذا المتطفل من بنى إسرائيل؟أعلم يا صابرين ما انتابك من أسى وهم يقلبون هاتفيك، يتفحصون قائمة الأسماء بهما، ويقرأون الرسائل منك وإليِكِ، ويجردون ذاكرتك من خصوصيتها، مما تضيق المرأة بأكثر مما تضيق بدخيل على عالمها. أعلم أن السكين فى قبضتهم قد شطروا بها ثمرة الجوافة وقلبك لأنهم ما قصدوا إلا إذلالك، فأى شىء تنطوى عليه ثمار الفواكه إلا البذور؟ فى كل مرة ستمتد يد والدك إلى إحدى ثمار الجوافة المهداة إليك من مصر الحبيبة (هل ما زالت مصر عندك كذلك؟) ستطاردك ذكرى الحادى عشر من نوفمبر الكئيبة، وستختلط فى أنفك الرائحة الذكية لثمرة الفاكهة برائحة الوقود المنبعثة من طائرة العال ترتفع فوق الأرض طبقات وطبقات لتنقلك بعد نحو نصف الساعة من غربة إلى غربة.أعلم يا صابرين أن اللحظة التى جردوك فيها من ثيابك هى اللحظة الأصعب فى حياتك وفى حياة أى امرأة. أوجعتِ قلبى حين أغمضتِ عينيك هربا من نظرات الضابطة الإسرائيلية اللاذعة ومن نفسك، وفهمتكِ جدا حين وصفتِ اللحظة بأنها «لحظة انكسار ويتمُ». خارت مقاومتك بعدما صمدِت، وكابرتِ، وأبيتِ ولم يتقدم مصرى عربى مسلم واحد ليحررك من بين براثنهم فداهمك شعور بالانكسار واليتم بين أهلك وناسك.يا الله! كيف يمكن أن يثير جهاز أمريكى جديد موجة من الرفض والاستنكار الدولى الواسع لأنه يخترق أجساد المسافرين بشعاعه، ولا يحظى انتهاك جسد صابرين على هذا النحو المقزز إلا بإدانة النخبة؟ هل يعقل أن يتظاهر الآلاف لأن امرأة تَحولت من دين إلى دين ولا يحرك أحد ساكنا لأن امرأة أريقت آدميتها على رءوس الأشهاد؟ من لا حرمة لبيته لا عصمة لدينه.هَدَت قسوة التجربة صابرين وأخارت قواها، ومع ذلك مر عليها ضابطان مصريان فلم يستوقفهما ذهولها وملابسها، كانت تحتاج إلى أن تنفجر باكية حتى يَرقَ لها قلب ضابطة مصرية فتهدئ روعها وتناولها قطعتين من الحلوى. طَيبتَ مشاعر الضابطة المصرية خاطر صابرين دياب لكنها لم تداوِ جرحها الغائر ولن تفعل، فالجرح يداويه رد كرامتها بفتح ملف الوجود الأمنى الإسرائيلى على أرض مطار القاهرة، ويداويه فضح السلوك المشين لثلة الضباط الإسرائيليين تجاه صابرين وأخريات غيرها يطوين صدورهن على معاناة مماثلة، وإلى أن يحدث ذلك فلا حاجة بصابرين إلى حَلوانا ولا نحن فى موقع يسمح لنا أن نهديها.نقلا عن الشروق | |
|